قال الشارح رحمه الله: [قوله: (وأخبثه) وهو يدل أيضاً على أن هذا خبيث عند الله، فاجتمعت في حقه هذه الأمور لتعاظمه في نفسه وتعظيم الناس له بهذه الكلمة التي هي من أعظم التعظيم، فتعظمه في نفسه وتعظيم الناس له بما ليس له بأهل وضعه عند الله يوم القيامة، فصار أخبث الخلق وأبغضهم إلى الله وأحقرهم؛ لأن الخبيث البغيض عند الله يكون يوم القيامة أحقر الخلق وأخبثهم؛ لتعاظمه في نفسه على خلق الله بنعم الله.
قوله:(أخنع يعني: أوضع)، هذا هو معنى (أخنع)، فيفيد ما ذكرنا في معنى (أغيظ) أنه يكون حقيراً بغيضاً عند الله.
وفيه التحذير من كل ما فيه تعاظم، كما أخرج أبو داود عن أبي مجلز قال: خرج معاوية رضي الله عنه على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لـ ابن عامر: اجلس؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، وأخرجه الترمذي أيضاً وقال: حسن].
معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) يتمثل أي: أنهم يقومون له وهو جالس تعظيماً له، إما أن يقوموا على رأسه أو أمامه تعظيماً له.
وقوله:(فليتبوأ مقعده من النار) تبوأ أي: اتخذ مكاناً باء به، والمعنى: أنه يكون له مقعد من النار جزاء تعاظمه، وجزاء كونه أحب أن يكون نظراؤه من العباد أشباه العبيد له، فكانوا يعظمونه ويخضعون له.
والقيام عبادة، ولهذا يقول الله جل وعلا:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:٢٣٨]، فأمر بالقيام له، والقيام في الصلاة قنوت فهو عبادة، وكل عبادة لا يجوز أن يكون جنسها لمخلوق، فالقيام من جنس الركوع، ومن جنس السجود، ومن جنس الطواف، ومن جنس كشف الرأس في الإحرام تعبداً لله جل وعلا، فكل ما هو عبادة لا يجوز أن يكون لمخلوق من المخلوقين، فإن أحب المخلوق أن يكون له شيء من ذلك فهو طاغوت من الطواغيت الذين يدعون إلى عبادة أنفسهم، بل يكون أسوأ الطواغيت؛ لأن الطواغيت كثيرون جداً، ولكن رؤساءهم أنواع، ومنهم الذين يحبون أن يُعبدوا أو يدعون إلى عبادة أنفسهم.
ومن ذلك الانحناء، فكون الإنسان إذا لقي آخر ينحني له ويطأطئ رأسه فإن هذا نوع من السجود ونوع من الركوع، والركوع سجود، فلا يجوز أن يكون هذا لمخلوق؛ لأن هذا من خصائص الخالق جل وعلا، فمن رضي بذلك فهو من هذا النوع يتبوأ مقعده من النار.
فالمقصود: أن القيام على الإنسان الجالس تعظيماً له نوع من العبادة، ولهذا توعد فاعله بأنه يكون قد تبوأ مكاناً في النار، يجلس فيه ويتخذه مباءة، أي: مسكناً ومحلاً ومقاماً له، وهذا من أعظم الوعيد؛ لأنه نازع الله جل وعلا في حقه، والأول: نازعه في اسم من أسمائه، فتسمى: ملك الملوك، أو قاضي القضاة، أو حاكم الحكام، أو ما أشبه ذلك، وكل من نازع الله جل وعلا فيما يستحقه فهو ينصب نفسه معبوداً من دون الله جل وعلا، وجزاؤه أن يكون متبوئاً مقعده في جهنم.