والظلم أقسام ثلاثة: قسم منه ظلم يكون بين العباد، وهذا كثير جداً، يقع في الأعراض والأموال والدماء، ويقع في غير ذلك، فهذا مبناه على التقصي وأن لا يُترك منه شيء؛ لأن الإنسان ضعيف ويريد حقه، ولكنه إذا وقف بين يدي الله فإنه يود لو يكون على والدته له حق فيأخذه أو على والده، أو يود الوالد أن يكون على ولده له حق فيأخذه، ولهذا يقول الله جل وعلا في كتابه:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}[عبس:٣٤ - ٣٦].
لماذا يفر منهم؟ خوفاً من المطالبة بالحقوق، ولأن الأمر عظيم، فكل واحد له شأن يغنيه، ويشتد الأمر شدة عظيمة، حيث يصبح الإنسان لا يهمه إلا نفسه وتخليصها، ولهذا جاء في الأثر: إن الرجل تأتي إليه والدته وتقول له: يا بني! ألم يكن بطني لك وعاء، وثديي لك سقاء، وحجري لك غطاء؟ ألم أكابد الشدائد وأسهر الليالي في مصالحك؟ فيقول: بلى.
فتقول: أريد منك حسنة واحدة، فيقول: لا.
نفسي نفسي.
لا أحد ينفع أحد يوم القيامة:{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}[الانفطار:١٩].
فهذا الظلم الذي يكون بين العباد بعضهم لبعض لا بد من أخذه واستقصائه، ولا يكون هذا إلا بالحسنات والسيئات فقط، فيؤخذ من حسنات الظالم فيعطى المظلوم حتى يستعفي وحتى يوفى حقه، فإن نفذت حسنات الظالم أخذ من سيئات المظلوم فطرحت على الظالم ثم طرح في النار.
هذه هي الطريقة الوحيدة التي تؤخذ الحقوق فيها يوم القيامة.
والحقوق كثيرة، منها: ظلم في المعاملات، فالإنسان قد يعامل ولا يسلم من المعاملة، فإذا أخفى عيب السلعة التي يبيعها فسوف يسأل عنها يوم القيامة ويطالبه الذي اشترى منه فيقول: أخفى علي العيب وظلمني، خذ لي يا رب حقي منه.
وقد يكون في غير ذلك بالكلام واستطالة العرض، ويتكلم عليه، ويقول فيه ما ليس فيه، أو يقول فيه ما هو فيه وهو غائب فيذكره بما يكره، وهذا من أعظم الظلم، وهو كثير جداً، حتى -وللأسف- بين طلبة العلم يوجد هذا بكثرة، كل واحد يتكلم في الثاني في غيبته بالشيء الذي يسوؤه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الغيبة:(ذكرك أخاك بما يكره) فقال قائل: أرأيت إن كان فيه ما أقول؟ قال:(إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)، والبهت هو أشد الظلم، فيرميه بالشيء الذي ليس فيه فهذا ظلم.