للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عصمتها لصاحبها من دخول النار وقيد ذلك]

قال المصنف رحمه الله: [ولهما في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال: (لا إله إلا الله) يبتغي بذلك وجه الله)].

حديث عبادة السابق جاء غير مقيد؛ فإنه قال صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وحديث عتبان قيد هذا بأن الإنسان يأتي بهذا المشروط بأن يشهد هذه الشهادة عن علم ويقين ومعرفة، وأنها تقتضي العمل، فيعمل بما دلت عليه، فإذا جاء بذلك وإن كانت له ذنوب فإن الله يدخله الجنة، فهو مطلق بدون قيد، وأما في حديث عتبان هذا فإنه قيده بقوله: (لا إله إلا الله) يبتغي بذلك وجه الله، ومعنى (يبتغي بذلك وجه الله) أن يكون مخلصاً في قولها مريداً بذلك النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه ونعيمه، لا يريد غير هذا، وهذا معنى ابتغاء وجه الله، فيقولها راغباً في الثواب وهارباً من العذاب.

ومعلوم أن الذي يقولها على هذه الصفة تكون رغبته في الآخرة أكثر من رغبته في الدنيا، وأنه يعمل العمل الذي يستطيعه، ولا يدخر عملاً للآخرة؛ لأنه واثق بأنه سيقدم على ربه ويجازيه على عمله فيجتهد في ذلك.

فمعنى (يبتغي بذلك وجه الله) أنه يريد من الله جل وعلا ثوابه الذي يثيب به من كان مخلصاً لله جل وعلا في عمله، وكذلك يخشى ضد ذلك، فهو يخشى إن لم يكن مخلصاً في عمله وصادقاً مع ربه أنه يعذب، فيخاف أنه لو لم يقل ذلك صدقاً وإخلاصاً أن يعذبه الله جل وعلا.

فإذا كان بهذه المنزلة على هذه الصفة فإن الله جل وعلا يحرمه على النار، وهذا أعظم مما في حديث عبادة؛ لأن الذي في حديث عبادة مجرد وعد بأنه يدخل الجنة على ما كان من العمل، وإدخاله الجنة على ذلك لا ينافي أن يناله ما يناله في مواقف الآخرة أو في القبر أو بعد ذلك، وإنما يدل على أن مآله إلى دخول الجنة، ولابد أن يدخل الجنة، وإن كان عنده أعمال سيئة فهذه الأعمال يتجاوز الله جل وعلا عنها، أو قد يصيبه بعض ما يستحق، أما هذا فإنه يحرم على النار، ومعنى ذلك أنه لا يدخل النار أصلاً، ولكن بشرط أن يكون يبتغي بذلك وجه الله، وابتغاء وجه الله عرفنا أنه الإخلاص، والإخلاص أن يكون العمل خافياً مخلصاً من كل شائبة تلحقه من شوائب الدنيا أو مرادات النفس، أو ما هو مقصود لغير الآخرة، فيكون خالصاً وصافياً ليس فيه شيء.

وهذا الذي يكون عمله بهذه المثابة يكون قلبه محباً لله مقبلاً على الله بصدق، وليس فيه إرادة لغير الله جل وعلا، ولا يمكن أن يكون محباً للباطل، ولا يمكن أن يكون محباً لما ينهى الله عنه ويحرمه، ولا يكون مانعاً للواجب الذي أوجبه الله عليه؛ لأنه مخلص لله، ولأنه متجه إلى الله جل وعلا بالمحبة والإخلاص والصدق، فمن كان بهذه المثابة فلا يحول بينه وبين دخول الجنة إلا الموت، فإذا مات فتح له باب إلى الجنة وقيل: انظر إلى منزلك وما أعده الله جل وعلا لك.

عند ذلك يقول: يا رب! أقم الساعة حتى أذهب إلى منزلي.

لأن الذي خلص من الشرك دقه وجله وكثيره وقليله خلص؛ لأنه قال ذلك ابتغاء وجه الله، ودفعه إلى ذلك محبته التي في القلب لله جل وعلا وإقباله على الله، فهو مغتبط بأمر الله، كاره لكل ما نهى الله عنه مبغض له، ومثل هذا لا يقع في ذنب إلا أن يغره الشيطان وتسول له النفس، ثم إذا وقع في ذلك فسرعان ما يقلع ويتوب، وإلا فلا يوجد أحد ينفك عن الذنوب أبداً، فكل بني آدم خطاء، ولكن مثل هذا لا يستمر على ذنب بإذن الله؛ لما في قلبه من الإقبال على الله ومحبة الله جل وعلا، فهذا معنى كونه يحرم على النار من قال: (لا إله إلا الله) يبتغي بذلك وجه الله.

وهناك أحاديث تدل على أن من يقول: (لا إله إلا الله) يدخل النار، وهي أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجمع بينها أن الذي يقولها غافلاً ويقولها غير صادق وغير مقبل على الله جل وعلا بكليته فله مجرد وعد فقط، فإنه يدخل النار إذا شاء الله ثم يخرج منها إلى الجنة، أما هذا الذي حرم على النار فلابد أن يكون صادقاً مخلصاً مقبلاً على الله جل وعلا، أو أنه يقولها تائباً مما حدث منه توبة نصوحاً مقلعاً عن كل ذنب مقبلاً على ربه ثم يموت على ذلك بعد قولها، فإنه إذا كان أيضاً بهذه المثابة فإن (لا إله إلا الله) إذا صدرت على هذه الصفة لا تقوم أمامها سيئة أبداً، فتمحو السيئات كلها إذا جاءت على هذه الصفة.