للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (ثم ادعهم إلى الإسلام) كذا وقعت الرواية في جميع نسخ كتاب مسلم (ثم ادعهم) بزيادة (ثم) والصواب: إسقاطها كما روي في غير كتاب مسلم كمصنف أبي داود، وكتاب الأموال لـ أبي عبيد؛ لأن ذلك هو ابتداء تفسير الثلاث الخصال.

وقوله: (ثم ادعهم إلى التحول إلى دار المهاجرين) يعني: المدينة، وكان في أول الأمر وجوب الهجرة إلى المدينة على كل من دخل في الإسلام، وهذا يدل على أن الهجرة واجبة على كل من آمن من أهل مكة وغيرها].

الهجرة هي: الانتقال من بلد الشرك والكفر إلى بلد الإسلام، وهي باقية حتى تطلع الشمس من مغربها، أي: إلى قيام الساعة، وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية) فالمقصود بالفتح: فتح مكة، أي: أنه لا هجرة من مكة بعد الفتح؛ لأن مكة أصبحت دار إسلام، وإلا فالهجرة من بلاد الكفار باقية.

والهجرة قد تجب على الإنسان وجوباً عينياً لقول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:٩٧] وهؤلاء إذا كانوا لا يستطيعون أن يمارسوا شعائر دينهم، ولا يستطيعون أن يظهروا دينهم، كأن يكونوا في بلد لا يستطيعون أن يصلوا ويصوموا جهاراً، ولا يستطيعون أن يظهروا عبادة الله جهاراً، فإنه يجب عليهم في هذه الحالة أن يهاجروا إلى البلد الذي يستطيعون إظهار دينهم فيه، ولا يلزم أن تكون الهجرة إلى بلد معين، لا المدينة ولا غيرها، بل أي بلد يستطيعون إظهار دينهم فيه فيجب عليهم الهجرة إليه.

أما إذا كانوا مستطيعين إظهار الدين ولا أحد يمنعهم من ممارسة شعائر دينهم، ولا أحد يمنعهم من أن يظهروا توحيد الله وعبادته فإنه لا يجب عليهم أن يهاجروا في هذه الحالة، بل يبقون في البلد الذي يستطيعون فيه أداء شعائر دينهم ظاهراً.