للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موافقة الشرع]

أما الشرط الثاني فهو موافقة السنة، ومعنى ذلك أن الإنسان لا يجوز له أن يقدم على عمل من الأعمال إلا وهو مشروع، ولهذا يقول العلماء: إن الأصل في العبادات التوقيف حتى يأتي الدليل على أنها مشروعة.

ولا يجوز للإنسان أن يقدم على عبادة من العبادات وهو لا يعرف أنها مشروعة، وإلا كان ممن يشرع برأيه أو نظره، ويكون مبتدعاً.

فإن البدع هي العبادات التي لم يأت بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل عبادة لم يأت بها الوحي فهي بدعة، والبدع مردودة على أصحابها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، فقوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا) يعني: ليس على الشرع، وليس مأموراً به بالكتاب والسنة؟ (فهو رد) مردود على صاحبه.

فلابد لكل عمل من هذين الشرطين، أي: أن يكون العمل مراداً به وجه الله خالصاً لله جل وعلا، وأن يكون مأموراً به شرعاً ومشروعاً شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإلا كان الإنسان يعمل عملاً حابطاً، كما قال الله جل وعلا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية:٢ - ٤] فعندها خشوع، وعندها نصب للعمل، ولكن في الآخرة تصلى ناراً حامية؛ لأنها تتعبد الله جل وعلا بالبدع، وإن كانوا يبكون ويخشعون فبكاؤهم وخشوعهم خسارة، فعندهم الخشوع والنصب التعب، ولكن الواقع في الآخرة أنه تصلى وجوههم ناراً حامية، ويسقون من عين آنية؛ لأنهم تعبدوا الله بالبدع لآرائهم وأقوال الناس التي ليس عليها دليل، فلابد أن يكون الإنسان في عبادته متبعاً لا مبتدعاً.

[تنبيه: قال القرطبي في تذكرته: وقوله في الحديث: (من إيمان) أي: من أعمال الإيمان التي هي من أعمال الجوارح، فيكون فيه دلالة على أن الأعمال الصالحة من الإيمان، والدليل على أنه أراد بالإيمان ما قلناه ولم يرد مجرد الإيمان الذي هو التوحيد ونفي الشركاء والإخلاص بقول لا إله إلا الله، ما في الحديث نفسه من قوله: (أخرجوا)، ثم بعد ذلك يقبض سبحانه قبضة فيخرج قوماً لم يعملوا خيراً قط، فيريد بذلك التوحيد المجرد من الأعمال.

انتهى ملخصاً من شرح سنن ابن ماجة].

قول القرطبي هذا لأن العلماء اتفقوا على أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بعث منادياً ينادي أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة.

وهذا عام شامل، فكذلك الأعمال تبع للإيمان، فإذاً يكون معنى قوله: (أخرجوا من النار من قال: (لا إله إلا الله) وفي قلبه مثقال حبة من خير)، وجاء في لفظ آخر: (من إيمان) أنه الشيء الزائد على هذا القول، فهو أمر زائد على أصل الإيمان، أما أصل الإيمان فهو موجود، وهو الذي به يخرج من النار ويدخل الجنة، ولكن لابد من عمل وإن قل؛ فأن الله جل وعلا يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:٤٠] يعني: مثقال الذرة إن يك حسنة يضاعفه.

وإذا كان للإنسان حسنة ولو مثقال ذرة زائدة على سيئاته فإن الله جل وعلا يضاعف هذا المثقال ويدخله به الجنة، فهذا فضل عظيم.

وهكذا في هذا الحديث الذي فيه أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة، أي: مثقال الذرة زائداً على قول (لا إله إلا الله) أصل الإيمان، حتى لا يكون هذا مكرراً فيكون آخره هو أوله، فالرسول صلى الله عليه وسلم ينزه كلامه عن ذلك، وهذا شيء معقول في الواقع، ولهذا قال: إن الدليل عليه هو ما في نفس الحديث.