قال الشارح رحمه الله تعالى: [وقال العلامة ابن القيم في معنى قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل:١٢٥] ذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو، فإنه إما أن يكون طالباً للحق محباً له مؤثراً له على غيره إذا عرفه فهذا يدعى بالحكمة ولا يحتاج إلى موعظة وجدال].
الحكمة هي العلم، فليس هناك حكمة إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيبين للمدعو الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا بين له فإنه يكتفي بذلك ويتبعه؛ لأنه يطلبه ولكنه يجهله، فهذا الذي يريد الحق وهو يجهل الحق إذا تبين له أن هذا وحي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يؤثر غيره عليه، بل يتبعه.
[وإما أن يكون مشتغلاً بضد الحق، لكن لو عرفه آثره واتبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب، وإما أن يكون معانداً معارضاً فهذا يجادل بالتي هي أحسن، فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجلاد إن أمكن.
انتهى].
القسم الثاني: أن يكون المدعو مريداً للحق ولكنه مشتغلاً بغيره لدنيا يحبها أو لرئاسة يؤثرها أو ما أشبه ذلك من أمور الدنيا، فهذا يحتاج إلى أن يدعى بالترهيب والترغيب، ويذكر له الأمور التي تترتب على إيثار الدنيا على الآخرة، فإذا ذكر له ذلك فالغالب أنه يرجع ولا يحتاج إلى قتال.
القسم الثالث: أن يكون المدعو معانداً، فيكون واقفاً في طريق الدعوة ويكون مجادلاً وعنده شبهة، وإذا أقيمت عليه الحجج لا يقتنع بها، بل لا يقبلها، بل يردها، ومثل هذا إذا أقيمت عليه الحجج فردها ووقف في وجهها فإن أمكن أن ينتقل معه إلى القتال فعل ذلك، وذا لم يمكن يصبر الداعية ويحتسب، كما كان الله جل وعلا يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالتحمل والصبر، وهذا لما كان في مكة، أما لما انتقل إلى المدينة وصار له دار إسلام وله أنصار وله قوة أُمر بقتال من لا يقبل الحق ومن يقف في وجهه معترضاً وصاداً وراداً يقاتل، فإذا أمكن أن الإنسان يفعل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم أخيراً فعل ذلك.