للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)]

قال المصنف رحمه الله: [باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:٥٦]].

هذا الباب ترجمه بهذه الآية، وغالب الكتاب يترجمه بآيات، ثم يذكر آية بعدها أو آيتين أو حديث فقط، فهو كتاب يعتمد على كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس فيه آراء ولا ذكر قول فلان وفلان، وهو أيضاً مختصر جداً وواضح، بحيث إنه يمكن للإنسان أن يحفظه في أيام قلائل.

ومراده بهذه الترجمة وهي قوله: باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:٥٦] أن يبين ضلال الذين يتعلقون بالأولياء، ويدعونهم زاعمين أنهم يكشفون الكروب! ويعلمون ما في القلوب! ويغفرون الذنوب! فهو يقول: هذه الآية تدل على أن سيد الخلق محمداً صلوات الله وسلامه عليه الذي هو أقرب الناس إلى الله وسيلةً، وأعظمهم عنده جاهاً، لا يملك شيئاً من هداية القلوب أو نجاة أحد من العذاب، ولو كان يملك شيئاً لكان أحق من يخصه بالهداية هو من كان يحوطه ويحميه منذ صغره إلى السنة الثامنة في البعثة أو قريباً من ذلك، كان يحوطه ويحميه ويدافع عنه ويتفانى في ذلك ويتحمل في سبيل ذلك العنت الشديد، حتى إنه بقي محبوساً معه في شِعب من شعاب مكة ثلاث سنوات، لا يبايَع ولا يُشترى منه، ولا يُجلب له طعام، ولا يُخطب منه النساء ولا يُنكَحون، فحاصروه حصاراً شديداً جداً، وكل هذا لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لَمَّا حضرته الوفاة جاء إليه وقال: (يا عم، قل: (لا إله إلَّا الله) كلمةً أحاجُّ بها لك عند الله)، فأعادها عليها مراراً، ولم يستطع أن يجعله قائلاً لها، فمات على الشرك.

فكيف بعد هذا يسوغ لأحد من الناس أن يأتي إلى مخلوق ويسأله أن يغفر ذنوبه، أو أن يهدي قلبه، أو أن ينصره على العدو، أو أن يشفع له عند الله ويقربه، أو أن يكون هو الملجأ في جميع الملمات، كما يقول قائلهم: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العممِ إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلَّا فقل يا زلة القدمِ ولن يضيق رسولَ الله جاهُك بي إذا الكريمُ تحلى باسم منتقمِ فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلمِ إلى آخره، وما أشبه ذلك، وهذا كذب على الله جلَّ وعلا وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الدنيا والآخرة بيد الله، وليست من جملة جود النبي صلى الله عليه وسلم، وأما علم اللوح والقلم فقد استأثر الله جلَّ وعلا به فلا يُطلِع عليه أحداً من خلقه إلا من شاء على جزئيات منه، أما اللوح والقلم فقد كتب فيه كل شيء إلى أن يستقر أهلُ الجنةِ الجنةَ وأهلُ النارِ في النار؛ ولكن الغلو هو الذي يحدو بهؤلاء، ويجعلهم يسلبوا خصائص الله جلَّ وعلا ويعطوها البشر، مع أن القرآن قد نهى عن ذلك نهياً جلياً، فكيف يمكن اجتماع الإيمان بمثل هذه الآية: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦] والإيمان بمثل هذه الأبيات؟! هذا يتناقض تمام المناقضة، ولا يمكن أن يجتمع إيمان بهذا وبهذا، إما أن يؤمن بهذه الأبيات وبمعانيها ويكفر بآيات الله وما قاله الله جلَّ وعلا ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم التي جاء بها؛ أو أن يكفر بهذه الأبيات وما دلت عليه، وغيرُها كثير، ويكون الحق هو ما قاله الله جلَّ وعلا وما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد أراد المؤلف من الترجمة بهذه الآية تحذير من يتعلق بغير الله جلَّ وعلا زاعماً أن من سأله وطلب منه أنه ينفعه ولو لم يأذن الله! كما هي الوقائع الكثيرة المشاهَدة في الناس، والواجب على الإنسان أن يتفهم خطاب الله جلَّ وعلا وكلامه؛ لأنه فيه النور والهدى.