للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرك بالله]

أولاً: (الشرك)، الشرك هو أعظمها، ولهذا بدأ به، والشرك: هو أن تجعل شيئاً من العبادة الواجبة لله لمخلوق من المخلوقات، والعبادة كثيرة جداً، وكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وجوباً أو استحباباً فإنه عبادة، وكل أمر أمر به على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب فإنه عبادة، وكذلك كل ما نهى عنه تحريماً أو كراهة فاجتنابه عبادة وتركه عبادة، فلا يترك الإنسان شيئاً من ذلك لأجل مخلوق، فإنه إذا ترك شيئاً من ذلك لأجل مخلوق يكون واقعاً في الشرك.

وكما أنه لا يفعل شيئاً من الواجبات أو المستحبات من أجل مخلوق فلا يتركه لمخلوق، فإنه إذا فعل ذلك يكون واقعاً في الشرك.

ثم الشرك يتفاوت ونحن منذ بدأنا في هذا الكتاب إلى النهاية نتكلم وسنتكلم في أنواع الشرك، وما يجب أن يفعله الإنسان؛ لأن كتاب التوحيد يذكر الواجب ويذكر الشيء الذي يكون مضاداً له، فالشرك ضد التوحيد، وكذلك ما ينقصه أو يذهب بكماله، فإنه أيضاً يكون واجب الاجتناب.

وقد سبق تعريف الإخلاص، وهو تحقيق التوحيد، وسبق أن تحقيق التوحيد بأن تكون إرادة الإنسان خالصة لله، متجهاً بها إلى الله، وأن يجتنب أيضاً الذنوب والبدع، أما إذا وقع في الذنوب والبدع فإنه لم يحقق توحيده؛ وذلك أن الذنوب والبدع تنقص التوحيد.

فالشرك قد أخبر الله جل وعلا أنه لا يغفر لصحابه، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] وهذا لمن يموت عليه، فالذي يموت على الشرك لا يغفر له، أما التائب فإن التوبة إذا كانت صادقة تمحو كل الذنوب، وتجب ما قبلها، سواءً كان الذنب شركاً وكفراً أو غير ذلك من سائر الذنوب، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له بشرط أن تكون التوبة نصوحاً، وهي واجبة على كل العباد، ومن لم يتب فهو ظالم قد ترك أمر الله؛ لأن الله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم:٨] فأمر بالتوبة النصوح، وهذا تكرر في القرآن في عدة مواطن.

والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتوبة وحث عليها، فدل ذلك على أن التوبة واجبة متعينة من كل ذنب، وإذا وفق الله جل وعلا عبده وتاب قبل أن يموت توبةً نصوحاً؛ فهو من أهل الجنة، بل يكون من السابقين إليها، أما إذا مات على شرك وكفر فإنه من أهل النار قطعاً بلا تردد والجنة عليه حرام.

وأما الذنوب الأخرى مع وجود أصل الإسلام ولو كانت من الكبائر فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه بلا عقاب، وإن شاء عاقبه، وعقابه متنوع أوله: الموت ثم ما يتصل به في القبر، ثم ما يتصل بالقبر من النشر والحساب وكرباته، ثم بعد ذلك النار وعذاب النار يتفاوت، فمنهم من يبقى وقتاً قليلاً ثم يخرج، ومنهم من تطول مدته ولكنه في النهاية إذا كان معه أصل الإسلام لابد أن يخرج منها إلى الجنة، ولا يبقى فيها إلا الكفار المشركون، والكفر والشرك أنواع وأقسام، ولكن النتيجة واحدة.

وقوله: (اجتنبوا السبع الموبقات) يدلنا على أن الموبق يتفاوت، وأنه ليس المقصود في قوله: (السبع الموبقات) الكبائر، وإنما المقصود: كل موبق.

وعندما عد الشرك، فليس كالكبيرة التي يقول العلماء فيها: إن مرتكب الكبيرة لا يكون كافراً، فليس هذا مرادهم؛ لأن الشرك يخرج من الدين الإسلامي باتفاق، أما إذا كان كافراً أصلاً ولم يدخل في الدين فيجب عليه أن يؤمن أولاً، ويشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ حتى يكون مسلماً، أما قبل ذلك فهو ليس بمسلم.

وليس المراد بالشهادتين: النطق بهما فقط، بل لابد مع النطق أن يعتقد المعنى الذي دلت عليه الشهادتان، ويجب أن يعتقده ويعمل به، وإلا فمجرد النطق مع الاستمرار على الشرك لا يفيد؛ لأن الشهادة وضعت لإبطال الشرك، ومن كان يقولها وهو يفعل الشرك فقوله لغو لا فائدة فيه.

إذاً: الموبق الأول: الشرك بالله.