للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحقيق التوحيد بترك الرقية والكي]

[الخامسة: كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد].

الاسترقاء غير الرقية، فالاسترقاء هو طلب الرقية، أن يطلبها من غيره؛ لأن الطلب فيه افتقار لغير الله جل وعلا، فتركه استغناءً بالله جل وعلا من تحقيق التوحيد، وكذلك الكي.

أما وجه كون الكي تركه من تحقيق التوحيد فهو ما ذكره العلماء بأن الكي فيه ألم محقق ومستعجل، وأما الشفاء فيه فهو مظنون، وقد يكون وهماً لا حقيقة له، فالذي يقدم عليه غالباً يكون راغباً في الدنيا أكثر من رغبته في الآخرة، فمن هنا صار فعل الكي ليس من تحقيق التوحيد، وتركه توكلاً على الله يكون من تحقيق التوحيد، أما فعله فيدل على الرغبة في الدنيا أكثر، وليس معنى هذا أن الكي محرم، لا.

بل الكي مباح، فهو علاج جائز، فإذا أراد الإنسان أن يكتوي فله ذلك، ولكن تركه أفضل فقط، هذا هو المقصود، فالذين يسبقون إلى الجنة بغير حساب هم الذين يفعلون الواجبات ويتركون المحرمات والمكروهات، ويفعلون المستحبات، وهؤلاء هم الذين ذكرهم الله جل وعلا في أحد أقسام الذين أورثهم الله جل وعلا الكتاب، وهم الذين اصطفاهم الله، فهم السابقون بالخيرات بإذن ربهم؛ لأن الله جل وعلا قسمهم ثلاثة أقسام: قسم ظالم لنفسه، وقسم مقتصد، وقسم سابق بالخيرات بإذن الله.

فهؤلاء الذين يسبقون بالخيرات بإذن الله جل وعلا هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فيسبقون إليها قبل غيرهم، وهذا أيضاً لا يلزم منه أن الذين يحاسبون ولا يسبقون إليها يكونون أقل منهم درجة، فقد يكون الذين يحاسبون منهم من إذا دخل الجنة كان أعلى من السابقين الذين دخلوها بلا حساب، كما إذا كان الإنسان عنده جهاد وعنده أموال، ولكنه ينفق في سبيل الله وينفع عباد الله بأمواله، فهو يحاسب عن ماله: من أين جمعه وفيم أنفقه، ولا بد من المحاسبة، ولكن بعد المحاسبة قد تكون درجته أرفع من درجة الذين يسبقون إلى الجنة بغير حساب.

فإذاً هؤلاء الذين يتركون الكي ويتركون الاسترقاء ليس معنى ذلك أنهم يكونون أفضل من غيرهم على الإطلاق، فقد يكون الذي يفعل شيئاً من ذلك عنده حسنات أكثر من حسنات هذا الذي ترك هذا الأمر توكلاً على الله، فإذا دخل الجنة كان أرفع ممن سبق إليها.