قوله:(إن الله زوى لي الأرض -جمعها- فرأيتها أمامي، أنظر إلى مشارقها ومغاربها) هذا محدود بدليل قوله: (وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) وقد بلغ الملك في زمن الصحابة هذا الذي زوي منه، حتى وصلوا إلى حدود الصين شرقاً، ووصلوا إلى المحيط الأطلسي غرباً، وانتهى ملكهم إلى هذا الحد، ولم يذكر جهة الجنوب والشمال، ولهذا لم تتسع لا جنوباً ولا شمالاً، فإنه لم يتسع فيها ملك الأمة، وإنما اتسع من جهة الشرق والغرب.
ثم قال:(وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) الكنزان: هما كنز الدولتين العظيمتين في ذلك الوقت في زمنه، فكان في وقته دولة الروم ودولة الفرس، وكانت هاتان الدولتان تتناظران دائماً وتتقاتلان، ومرة تغلب هذه، ومرة تغلب هذه، وهما أعظم الدول في ذلك الوقت، وما في الأرض نظير لهما.
قوله:(الأحمر والأبيض) يقول العلماء: الأحمر عبارة عن الذهب، وهذا يقصد به كنوز دولة الروم؛ لأن الغالب عليهم استعمال الذهب في أموالهم.
وأما الأبيض: فهو كنوز دولة الفرس؛ لأن الغالب على أموالهم الجواهر والفضة، فوقع كما قال.
وقد جاء في حديث آخر:(وإنهما سينفقان في سبيل الله) فأنفقت كنوز هاتين الدولتين في سبيل الله كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه قبل وقوع ذلك.
فهاتان الجملتان كل واحدة منهما تدل على صدقه صلوات الله وسلامه عليه، حيث أخبر بشيء لم يقع، فوقع كما أخبر تماماً.
ثم قال:(وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة بعامة، أو بسنة عامة) الباء هنا زائدة وتأتي للتأكيد، وإذا حذفت استقام المعنى، والسنة المقصود بها الجدب المهلك، أو العذاب المستأصل الذي يأتي عليهم جميعاً كما وقع للأمم السابقة مثل ثمود وعاد وقوم شعيب، وقوم لوط، وغيرهم ممن قص الله جل وعلا علينا قصصهم في كتابه، فأعطاه الله جل وعلا هذا، فقال:(إني لا أهلكهم في سنة عامة).
وسأل ربه ألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم.
(من سوى أنفسهم) يعني: من الكفار، سأله ألا يسلط عليهم عدواً من الكفار فيستبيح بيضتهم، يعني: يستولي على معظم الأمة أو على جملتها، فيسبي نساءها، ويأخذ أموالها، ويقتل مقاتلتهم، فأعطاه الله جل وعلا ذلك، ولكن هذا مقدمة الشروط التي ذكرها بعد هذا.