للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحكيم الله ورسوله من مقتضى الإيمان]

قال الشارح رحمه الله: [وكذلك من دعا إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد ترك ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب عنه، وجعل لله شريكاً في الطاعة، وخالف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمره الله تعالى به في قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:٤٩].

وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].

ومن خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك اتباعاً لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه وإن زعم أنه مؤمن؛ فإن الله تعالى أنكر على من أراد ذلك، وأكذبهم في زعمهم الإيمان لما في ضمن قوله: (يزعمون) من نفي إيمانهم؛ فإن (يزعمون) إنما يقال غالباً لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب لمخالفته لموجبها وعمله بما ينافيها، يحقق هذا قوله: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [النساء:٦٠]؛ لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد كما في آية البقرة، فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن موحداً].

آية البقرة هي قوله جل وعلا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:٢٥٦]، فبدأ أولاً بالكفر بالطاغوت، مما يدل على أنه لابد من الكفر به، والكفر به معناه أن يتبرأ الإنسان منه ويبتعد عنه، ويبتعد عن أهله والذين يحكمون به أو يعملون به ولابد من ذلك، أما كونه يتركه فقط فلا يكفي، بل لابد من تركه وكراهته والتبرؤ منه؛ لأن الله جل وعلا يقول: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ} [المجادلة:٢٢].

ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ} [المائدة:٥١]، ويقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١]، فلما ذكر أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض سواء أكانوا من المهاجرين المقاتلين أم من الذين لم يهاجروا وإنما اشتركوا بالإيمان والطاعة والإتباع ذكر أن بعضهم أولياء بعض، ثم ذكر أن الكافرين بعضهم أولياء بعض، ثم قال بعد ذلك: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:٧٣].

يعني: إن لم تحصل موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وكونهم معتزين بأنفسهم معادين للكفار منابذين لهم حصلت الفتنة والفساد الكبير، فهذا هو التوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وكلف كل مكلف به، وليس هذا من الأمور التي فعلها مستحب ومن تركها لا لوم عليه، بل هذا أمر فرض على كل إنسان ولابد أن يعتقده ويعمل به.