للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (تعس عبد الدينار)]

قوله: (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم, تعس عبد الخميلة, تعس عبد الخميصة).

الدينار: هو قطعه من الذهب كما هو معروف, سواء كان مضروباً أم لم يكن, والدرهم: قطعة من الفضة, أما الخملية فهي كساء له خمل، أي: له أهداب، وأما الخميصة فهي كساء مربع.

وسماه عبداً لهذه الأشياء؛ لأنه يعمل لها, ويجتهد ويكد لأجلها, وكأن عمله للدينار والدرهم والأقمشة والأكسية وغيرها مما يقتنى.

المقصود: أن عمله إنما هو للدنيا، ومعنى قوله: (تعس) سقط وهلك، وقيل: معناه انتكس عليه أمره، يعني أنه لم يفلح, وهذا قد يكون دعاء وقد يكون خبراً, إذا كان دعاءً فالرسول صلى الله عليه وسلم دعاؤه مستجاب, فهو يدعو عليه بالتعاسة, والتعاسة هي الشقاء كما قال جل وعلا: {فَتَعْساً لَهُمْ} [محمد:٨]، أي: يعني شقاءً لهم, وقد يكون خبراً يخبر عنه أن هذه حالته؛ لأنه لا يخرج عن هذه الحالة, إذا كان الإنسان يعمل للدنيا فإنه يكون تعساً, ولا يلزم أن يكون في نظر العامل أنه تعس, وأشد التعاسة وأعظمها أن يكون في عمله بعيداً عن ربه جل وعلا وعما يسعده, فكلما تمادى في ذلك -وإن كان يظن أنه في سعادة- فهو يتمادى في التعاسة.

وقوله: (وانتكس) الانتكاس مثل أن يشفى المريض ثم يعود إلى مرضه, انتكس في مرضه يعني: عاد إلى أسوأ ما كان, وهنا كأنه دعاء يقرر عليه, يكون تعساً ثم ينتكس في أمره أشد مما كان عليه.

وقوله: (وإذا شيك فلا انتقش)، أي: إذا أصابته الشوكة فلا انتقش, والانتقاش: هو إخراج الشوكة بالمنقاش، والمعنى: أنه إذا وقع في شدة فإنه لا يخرج منها؛ لأن الذي إذا شيك ولا ينتقش لا يجد من ينقشه ومعناه: أنه قد هلك فلا يستطيع الخلاص مما وقع فيه.

والمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أن من كانت هذه حالته, فقد وصل إلى الغاية في الهلاك, وهو عدم الخروج مما وقع فيه من المآزق وهي عبادة الدنيا؛ لأن هذا يتمادى حتى يغطي على قلبه، فيصبح عنده الباطل كأنه حق, ويكره الحق ويبغضه، ويحب الباطل, وهذه غاية التعاسة والشقاء, فخروجه من هذا صعب إن لم تداركه رحمة من ربه جل وعلا، وإلا فإنه لا يخرج من ذلك ولا يجد من يخرجه.