قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه.
في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله) قال سفيان مثل: شاهان شاه.
وفي رواية:(أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه) قوله: (أخنع) يعني: أوضع].
قوله:(باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه) يعني: ما حكم هذا؟ هل يكون هذا منافياً للتوحيد أو منقصاً لكماله؟! لأن كل شرك لا يخلو إما أن يكون منافياً للتوحيد أصلاً، أو يكون شركاً أصغر؛ فيكون ذاهباً بكماله، أو يكون معصية من المعاصي والذنوب والكبائر، وهذا أيضاً يكون منقصاً للإخلاص والكمال، ولتحقيق التوحيد، ويكون ذاهباً بتحقيقه، فيكون معرضاً بالإنسان لعذاب الله جل وعلا من جراء ذلك.
والتسمي بهذا الاسم لا يخلو من شيء من ذلك، فيكون صاحبه واقعاً إما في منازعة الله جل وعلا فيما هو مستحق له، ومن خصائصه، وهذا من أعظم الشرك، أو يكون رفع نفسه فوق ما وضعه الله عليه، وتكبر على عباد الله، فاستحق بذلك أيضاً العقاب، أو يكون مثلاً رغب أن يكون له سيطرة، ويكون له ما ليس لغيره من الرفعة والعظمة والتكبر على الناس، ولو لم يحصل له ذلك، فإذا كان هذا في قلبه فهو واقع في الإثم.
والقاضي هو الذي يفصل بالحكم سواءً كان الحكم حقاً أو باطلاً، فكل فاصل بحكم يكون قاضياً، أما الاتصاف بقاضي القضاة، فهذا لا يصدق إلا على رب العالمين؛ لأنه هو الذي يقضي بين خلقه، ويقضي بين القضاة، والقضاة: كل حاكم حكم بين اثنين فهو قاضٍ، سواء جعل حاكماً من قبل الإمام، أو أن أصحاب الخصومة اصطلحوا على أن يحكموه بينهم، وكذلك المسئول عن مسائل العلم، فإذا قيل: ما حكم كذا وكذا؟ فأفتى وقال: حكم كذا كذا، فهو قاضٍ بهذه الفتوى، فإن كان متبعاً للحق فإنه يؤجر على ذلك، وإن كان قال ذلك بالهوى أو بالجهل فإنه قائل على الله بما لا علم له به، وسوف يعاقبه الله.
إذاً: القضاء يدخل فيه الفصل بين المتخاصمين والمتنازعين، ويدخل فيه الإخبار عن حكم من أحكام الشرع إذا سئل عنه، وهذا أعم وأشمل.
وإذا أطلق الإنسان على نفسه أنه قاضي القضاة فمعنى ذلك: أنه قاضي العالمين وقاضي الخلق كلهم، وكل من هو قاضٍ وكل من هو مفتٍ فهو القاضي عليهم، وهذا لا يصدق إلا على الله جل وعلا؛ لأنه هو الذي يفصل بين خلقه، وهو الذي يقضي بينهم يوم القيامة، ولا أحد يستحق هذا الاسم إلا الله، وهذا ليس في هذا الاسم فقط، بل كل ما أعطى هذا المعنى فإنه داخل فيه، وهذا مثل الذي يطلق عليه أنه سيد الخلق أو سيد الناس، أو أنه الحاكم على الخلق، أو أنه ملك الملوك، وسواء قيل ذلك باللغة العربية أو بغيرها، ولهذا قال سفيان راوي الحديث: مثل شاهان شاه يعني: أن شاهان شاه باللغة الفارسية هو: ملك الملوك، فكل من أطلق عليه شيء من ذلك فإنه مستحق بأن يكون أخنع وأغيظ اسم عند الله جل وعلا وأحقر وأذل، ويعاقبه الله جل وعلا إما في الدنيا عاجلاً، وإما أن يمهله في الدنيا ثم يعاقبه في الآخرة.