للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعوة إلى الله جل وعلا يجب أن تكون على بصيرة]

[الثالثة: أن البصيرة من الفرائض].

البصيرة من الفرائض، وإذا كانت من الفرائض فالتفريط بها يعاقب عليه الإنسان؛ لأن الفريضة يلزم الإنسان أن يمتثلها، ولكن البصيرة هنا تكون على حسب حال الإنسان، فالإنسان يجب أن تكون عنده بصيرة في عبادته لربه، فيعبد الله على بصيرة، ويجب أن يكون عنده بصيرة في المعاملات التي يتولاها وإلا فسوف يسقط في الحرام؛ لأن الإنسان مكلف في أن يكون تصرفه وفق الشرع الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يكن عنده بصيرة في ذلك فإن يكون آثماً، ويكون واقعاً في المخالفة، ثم ينجر بأسباب ذلك إلى وقوعه في المحرمات، فيستحق بذلك العذاب، وإذا كان الإنسان من ذوي المقدرة في العلم والتعلم ازداد الواجب عليه أكثر من غيره، وهكذا تختلف البصيرة باختلاف المقدرة والاستطاعة، فالذي يجب على العالم ليس مثل ما يجب على العامي، والذي يدخل نفسه في المعاملات وفي شئون المسلمين يجب عليه أكثر ممن لا يكون كذلك، وهكذا، فهذه البصيرة في كل ما يكون منوطاً بالإنسان من الأعمال، سواء الأعمال التي تتعلق بخاصة نفسه وأهله وأولاده، أو الأعمال عامة، فإنه يجب عليه أن يكون عنده بصيرة في الدين لئلا يقع في المخالفات، ولئلا يقع في خلاف الشرع، فإنه إذا وقع في خلاف الشرع فإنه آثم، وليس كونه يقول: أنا جاهل، وأنا ما أعرف يبرر فعله؛ لأن هذا ليس بعذر؛ لأن كتاب الله موجود وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي بلغها إلينا موجودة، ولكن إذا حصل تقصير في عدم معرفة ذلك فبسبب تقصير الإنسان في التعلم، فلا يجوز للإنسان أن يقحم نفسه في أمر من الأمور إلا وهو يعرف حكم الله فيه، ولهذا كان من القواعد التي قعدها العلماء قاعدة يقولون فيها: الأصل في العبادات الحرمة حتى يتبين لك أنها مشروعة.

وليس معنى ذلك الأصل في العبادات المعلومة مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج، لا.

وإنما الأصل في الأعمال التي يُتعبد الإنسان بها والتي يرجو بها الثواب من الله جل وعلا، فهي كأنها ممنوعة حتى يأتي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه يقول: (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود وهذا في الأعمال التي يتعبد بها، فإذا عمل الإنسان عملاً لم يشرع فهو مردود، فتبين بهذا أنه يجب على الإنسان أن يتعرف على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى شرعه حتى لا يُرد عمله، ولا يجوز أن يتعبد بالبدع والشيء الذي لم يأت به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذا من المحرمات، بخلاف الأمور التي أصلها الإباحة، فإنها تكون مباحة حتى يأتي الدليل على أنها ممنوعة، مثل المطعومات والمشروبات والمعاملات.

فالمقصود أن الإنسان عبدٌ لله، يجب أن يكون ممتثلاً أمر الله ونهيه، وليس هو بعبد لنفسه ولا عبد لغير الله جل وعلا، بل هو عبد لله، والعبد لا يكون خارجاً عن طاعة سيده.