للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلاف العلماء في حكم البكاء على الميت]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (وشق الجيوب) هو الذي يدخل فيه الرأس من الثوب، وذلك من عادة أهل الجاهلية حزناً على الميت.

قوله: (ودعا بدعوى الجاهلية) قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: هو ندب الميت.

وقال غيره: هو الدعاء بالويل والثبور.

وقال ابن القيم رحمه الله: الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية، ومثله التعصب إلى المذاهب والطوائف والمشايخ وتفضيل بعضهم على بعض، يدعو إلى ذلك، ويوالي عليه ويعادي، فكل هذا من دعوى الجاهلية.

وعند ابن ماجة وصححه ابن حبان عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور)، وهذا يدل على أن هذه الأمور من الكبائر، وقد يعفى عن الشيء اليسير من ذلك إذا كان صدقاً وليس على وجه النوح والتسخط نص عليه أحمد رحمه الله؛ لما وقع لـ أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنهما لما توفي رسول صلى الله عليه وسلم.

وليس في هذه الأحاديث ما يدل على النهي عن البكاء؛ لما في الصحيح أن رسول صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم قال: (تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون)، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه: (أن رسول صلى الله عليه وسلم: انطلق إلى إحدى بناته ولها صبي في الموت، فرفع إليه ونفسه تقعقع كأنها شن؛ ففاضت عيناه، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟! قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)].

اختلف العلماء في حكم البكاء على الميت، فمنهم من قال: يجوز البكاء على الميت قبل أن يموت الميت، أما إذا مات فلا يجوز، فيكون البكاء الذي ورد منسوخاً؛ لأنه جاء في غزوة أحد: (أنه لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم سمع نساءً من بني عبد الأشهل يبكين على قتلاهن، فقال صلى الله عليه وسلم: (ولكن حمزة لا بواكي له، فجاء نساء من الأنصار فصرن يبكين على حمزة، فلما خرج قال: لا يبكين بعد اليوم على ميت)، فقالوا: هذا ناسخ، والصواب: أنه ليس هناك نسخ؛ لأن هناك أحاديث كثيرة جاءت بعد هذا النهي، منها قصة وقعت في مؤتة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينهاهم وعيناه تذرفان بالدمع صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك قصة موت عثمان بن مظعون، وكذلك قصته لما زار قبر أمه صلى الله عليه وسلم، وهذا في السنة الثامنة من الهجرة، فإنه بكى وأبكى من عنده، وقال صلى الله عليه وسلم: (استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته بزيارة قبرها فأذن لي أن أزور قبرها)، والأحاديث كثيرة، وهي تدل صراحة على أن البكاء -يعني: دمع العين- جائز، بل جاء أنه رحمة، كما في هذا الحديث.