للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ارتجاف السماوات بكلام الله]

[التاسعة: ارتجاف السماوات بكلام الله].

يعني: أن السماوات ترتجف، فيصيبها رجفة ورعدة شديدة، وهذا يدلنا على أنه حتى الجمادات تخاف ربها جلَّ وعلا وتخشاه، والسماوات على سعتها وكبرها يصيبها الرعدة أو الرجفة الشديدة، فكيف بالعاقل الذي يخشى أن يعذبه الله جلَّ وعلا إذا لم يلتزم أمره؟ فينبغي أن يكون أشد خوفاً من الشيء الذي لم يعصِ الله مثل الجمادات والسماوات وغيرها، وهذا يدلنا على أنها تحس إحساساً جعله الله جلَّ وعلا فيها على حسب حالها، وإن كنا لا نشعر بهذا الإحساس، وهذا يُنكر؛ لأن هذا شُوهد مثله في الدنيا على الأرض، وقد مضى أن الجذع الذي كان يخطب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم -وهو جذع نخلة يابس- حن حينما فقد ذكر الله جلَّ وعلا الذي كان يقال عليه، وكذلك صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلِّم عليَّ)، حجر كان يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: سلام عليك يا رسول الله، وكذلك صحت الأخبار بأن الطعام كان يسبح وهم يأكلونه، والحصى كان يسبح في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أصحابه فقال: (بينما راعي في غنمه إذ عدا عليه ذئب فأخذ شاة، فأدركه الراعي وانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه وقال: من لها إذا كنتُ أنا الذي أرعاها؟ فقالوا: سبحان الله! ذئب يتكلم! قال صلى الله عليه وسلم: آمنتُ بذلك أنا وأبو بكر وعمر) ولم يكن أبو بكر وعمر يومئذٍ حاضرَين، وفي الصحيحين أيضاً: (أنه صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً كان يسوق بقرة، ثم ركبها، فالتفتت إليه وقالت: لم نخلق لهذا، وإنما خُلقنا للحرث -أي: حرث الأرض- فقالوا: سبحان الله! بقرة تتكلم! قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر) ولم يكن أبو بكر وعمر حاضرَين في ذلك المجلس.

والمقصود: أن الكلام يحصل من البهيم ومن الجماد إذا أراد الله جلَّ وعلا ذلك، وقد قال الله جلَّ وعلا: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:٤٤]، كل الأشياء تسبح الله جلَّ وعلا، ومن العجب أن الله جلَّ وعلا ذكر في كتابه أن كل شيء يسجد لله، كل شيء من الدواب والجبال والشجر ثم قال: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج:١٨]، فالناس فقط أكثرهم لا يسبحون! قال: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج:١٨] أما بقية المخلوقات فكلها تسبح الله وتسجد له، وإنما الذي يعصي ويأبى ذلك كثير من الناس العقلاء، فهم لا يسبحون الله ولا يسجدون له؛ ولهذا حقت عليهم كلمة الله جلَّ وعلا بالعذاب.

[المسألة العاشرة: أن جبريل هو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله].

جبريل عليه السلام هو الذي يتولى إبلاغ الوحي من الله جلَّ وعلا، فهو أمينه، وقد ذكر الله جلَّ وعلا ذلك في عدة آيات من كتابه.