للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الإسلام، ومعنى الشهادة]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [فلابد من أخذ الأسباب، فالأسباب لا تنافي التوكل، بل فعل الأسباب هو التوكل، ولكن لا يجوز أن يعتمد على السبب، فالاعتماد على السبب شرك، وتعطيل السبب عجز وقدح في العقل، فالمؤمن يفعل السبب ويعتمد على الله جل وعلا.

قوله: (فقال: انفذ على رسلك) بضم الفاء.

أي: امض، و (رسلك) بكسر الراء وسكون السين، أي: على رفقك من غير عجلة.

و (ساحتهم) فناء أرضهم وهو ما حولها.

وفيه الأدب عند القتال، وترك العجلة والطيش والأصوات التي لا حاجة إليها.

وفيه أمر الإمام عماله بالرفق من غير ضعف ولا انتقاض عزيمة، كما يشير إليه قوله: (ثم ادعهم إلى الإسلام) أي: الذي هو معنى شهادة أن لا إله ألا الله وأن محمداً رسول الله.

وإن شئت قلت: الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وما اقتضته الشهادتان من إخلاص العبادة لله وحده، وإخلاص الطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن هنا طابق الحديث الترجمة كما قال تعالى لنبيه ورسوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:٦٤].

قال شيخ الإسلام رحمه الله: والإسلام هو الاستسلام لله، وهو الخضوع له والعبودية له.

كذا قال أهل اللغة].

هذه الجملة من الحديث هي محل الشاهد للباب؛ لأن الباب باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله.

وهنا يقول: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم لله فيه)، فقوله: (ادعهم إلى الإسلام) هذا هو المراد من سياق الحديث.

وشهادة أن لا إله ألا الله هي الإسلام في الواقع؛ لأن معناها: ألا يكون للمسلم مألوه غير الله، وألا يكون المسلم منقاداً ومطيعاً في الحلال والحرام وما يتقرب به إلى الله إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله، فلابد يكون الدين كله لله خالصاً.

وقوله: (وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه) يعني: في الإسلام، مثل وجوب الصلاة، ووجوب الزكاة، وصوم رمضان، والحج على من استطاع إليه سبيلاً، هذا هو الذي يجب عليهم لله جل وعلا فيه، فدل هذا على أن الصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت واجبات في الإسلام.

وأما حقيقة الإسلام فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والإسلام هو: استسلام القلب بالطاعة، والانقياد لله جل وعلا بالإخلاص، وكذلك متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي: طاعته فيما جاء به من عند الله جل وعلا، وألا يُعبد الله جل وعلا إلا بشرعه الذي شرعه، هذا هو الذي يجب على المسلمين عموماً أن يعلموه ويعملوا به، ويدعوا الناس إلى أن يكون المعبود هو الله، والمشرع هو الله الذي يأمر وينهى في كل ما يتصل بهم في حياتهم من التحليل والتحريم؛ لأن المسلم مقيد بشرع الله لا يجوز أن يخرج عن شرع الله، فإن خرج عن شرع الله سواء في المعاملات أو فيما هو خاص بنفسه من العبادات فإنه يكون مخلاً بشهادة أن لا إله إلا الله، فإما أن يكون ذلك منافياً لها، أو يكون قادحاً في كمالها منقصاً لها، فيكون مستوجباً للعذاب، وقد يعذبه الله وقد يتوب عليه، أما إذا جاء بالمنافي فإنه يكون من أهل النار -نسأل الله العافية! - وذلك فيما إذا جاء بالشرك؛ لأن الذي ينافي شهادة أن لا إله إلا الله هو أن يعبد غير الله، والعبادة لغير الله جل وعلا أنواع يفعلها الإنسان وهو لا يدري، مثل الذي يتجه إلى الضريح ويسأله النفع، أو يسأله أن يدفع عنه ضراً من مرض أو عدو أو ما أشبه ذلك، ويقول: إن هذا توسل، وإن صاحب الضريح يدعو الله فيحصل المراد فقط وإلا فهو لا يملك شيئاً مع الله.

وهذا شرك أكبر؛ لأن هذا هو شرك المشركين الذين كانوا يجعلون أصنامهم وأوثانهم وسائط بينهم وبين الله ويزعمون أنها تشفع لهم فقط، ولم يكونوا يعتقدون أن الأصنام والمعبودات التي جعلوها معبودات لهم وسموها آلهة لم يكونوا يعتقدون أنها تتصرف مع الله، وإنما كانوا يقولون: إنها تشفع لنا عند الله، فهذه الشفاعة التي يزعمونها هي الشرك بعينه.

والمقصود أن معنى الإسلام هو ما اقتضته شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن قول الإنسان: أشهد أن لا إله إلا الله معناه: أن لا أعبد إلا الله.

والأفعال التي يفعلها تكون تبعاً للعبادة، سواء في المعاملات التي تكون في البيع والشراء، أو المعاملات التي تكون مع الناس، أو غير ذلك، أي أنه لا يجوز أن يحل حراماً أو يحرم حلالاً ويقول: إنني حر أتصرف كيف أشاء فإنه ليس حراً، بل هو عبدٌ لله، يجب أن يمتثل لأمر الله جل وعلا وينقاد مطيعاً خاضعاً له، فإذا خرج عن ذلك فإنه يخرج عن عبادة الله إلى عبادة هواه أو الشيطان.