[شروط الرقية]
في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا رقية إلا من عين أو حمه) يعني: لا رقية أنفع وأنجح منها في العين والحمه، وإلا فالرقية نافعة من جميع الأمراض بشروط، قال العلماء: إذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة فإن الرقية جائزة: الشرط الأول: أن تكون بأسماء الله وصفاته وآياته القولية من القرآن.
الشرط الثاني: أن تكون من إنسان عربي يعرف معنى الكلام الذي يتكلم به.
الشرط الثالث: أن يعتقد أن ما يحصل بها يكون بإذن الله، وأنها لا تنفع بذاتها ولا بفعل الراقي نفسه، وإنما ذلك يكون بإذن الله وإرادته وأمره.
فإذا كانت الرقية بكلام لا يُعرف أو بحروف مقطعة فإنها محرمة، بل قد تكون كفراً، وقد تكون شركاً، وقد تكون طلسمات كما هو الواقع في كثير من الناس.
فهذه الشروط إذا وجدت في الرقية فإنها جائزة من كل داء ومن كل مرض.
والحمه هي: ذوات الحموم، يعني: ذوات السموم، كالعقرب والحية والزنبور وما أشبه ذلك، فإن الرقية منها من أنفع ما يكون.
وأما العين فهي: عين الحاسد، أي: عين الإنسان إذا حسد غيره وأصابه بأذى بعينه، فإن الرقية تنفع من ذلك، بل هي أنفع من سائر العلاجات، وهي أحسن علاج في هذا، ولكن يجب أن يكون الراقي مؤمناً متقياً، ويكون مخلصاً صادقاً واثقاً بقول الله ووعده.
أما المرقي فلا يشترط فيه ذلك؛ لأنه ثبت في الصحيح عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم في سرية، فاستضافوا حياً من أحياء العرب فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيدهم -سيد هذا الحي- فسألوا له بكل ممكن ولم يجدوا شيئاً، ثم قال بعضهم: لو ذهبتم إلى هؤلاء النفر -كانوا قلة ليسوا كثيراً- لعل عندهم شيئاً من العلاج أو يكون معهم راقٍ.
فجاءوا إليهم فقال أبو سعيد: (نعم أنا أرقي، ولكن أنتم لم تضيفونا، فلن أرقيه إلا بجعل تجعلونه لنا، فاتفقوا على قطيع من الغنم، فصار يقرأ عليه فاتحة الكتاب، فبرئ، وكانت رجله مربوطة بحبلٍ فحل الحبل، فأصبح كأن لم يكن به وجع، فقام في الحال، وكان كافراً، ثم ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بعدما رجع، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: (بأي شيء رقيته؟ فقال: بالفاتحة، قال: وما يدريك أنها رقية؟) فالفاتحة من أعظم ما يرقى بها المريض؛ لأنها هي السبع المثاني، وهي أم الكتاب وفاتحته، وهي التي لا تصح الصلاة إلا بها.
عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: أنزل الله جل وعلا مائة كتاب وأربعة كتب، ثم جمع هذه الكتب في أربعة كتب، ثم جمع الأربعة الكتب في المفصل، ثم جمع المفصل في فاتحة الكتاب، وجمع ذلك كله في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥].
أما سائر الأمراض الأخرى فكلها داخلة في قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ} [الإسراء:٨٢]، وهذا عام لشفاء القلوب وشفاء الجهل وشفاء الأبدان، هذا هو الصواب من أقوال العلماء.
ولكن ليس كل من استشفى بالقرآن فإنه يشفى؛ لأن الاستشفاء يستلزم الصدق والإخلاص واللجوء إلى الله والإيمان به؛ ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من مكانه) وكثير من الناس يقول هذا الحديث ومع ذلك تؤذيه المؤذيات ويصاب بالمصائب؛ وذلك لعدم إيمانه وصدقه في قوله، وإلا فكلام الرسول صلى الله عليه وسلم حق، وإذا أخبر بشيء فإنه يقع كما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
والنشرة ليست خاصة في السحر، بل عامة في كل مرض، والتنشير هو الرقية، والرقية: فعل الراقي الذي يقرأ وينفث على المريض.
ويجب أن تكون الرقية مشتملة على الشروط الثلاثة التي ذكرناها، فإذا توافرت فإنها جائزة بالاتفاق، ولكن لا يلزم أن تؤدي المطلوب لأسباب كثيرة قد تكون في الراقي أو في المرقي؛ لأن المحل قد لا يكون قابلاً، والراقي قد لا يكون أهلاً لذلك، فيتخلف المقصود، أما إذا كان الراقي أهلاً في هذا فإن الشفاء بإذن الله يحصل قطعاً ما دامت الأسباب موجودة، والموانع مفقودة.