قال الشارح: [قوله: (لعن الله من آوى محدثاً) أي: منعه من أن يؤخذ منه الحق الذي وجب عليه، وآوى بفتح الهمزة ممدودة أي: ضمه إليه وحماه.
قال أبو السعادات: أويت إلى المنزل وآويت غيري وآويته، وأنكر بعضهم المقصور المتعدي، وأما (مُحْدِثاً) فقال أبو السعادات: يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول، فمعنى الكسر: من نصر جانياً وآواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه، وبالفتح: هو الأمر المُبْتَدَعُ نفسه، ويكون معنى الإيواء فيه: الرضا به والصبر عليه، فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: هذه الكبيرة تختلف مراتبها باختلاف مراتب الحدث في نفسه، فكلما كان الحدث في نفسه أكبر كانت الكبيرة أعظم].
محدِث ومُحدَث متلازمان، فإذا أحدث الإنسان بمعنى أنه فعل المعصية التي نهي عنها، فيسمى محدثاً؛ سواء ارتكب حدّاً من الحدود التي حرمها الله، أو ارتكب جريمة في حق غيره بأن أخذ ماله أو استطال على عرضه، أو بهته بالكذب والزور وتكلم فيه بما ليس فيه، أو غير ذلك من الذنوب، سواء تعلق بحق الله، أو تعلق بحق الآخرين، وكله يصدق عليه أنه مُحْدِثٌ لأنه جاء بخلاف الشرع.
والمحدِث هو فاعل الحدث، والمحدَث هو المفعول، ولكن إذا وجد من الناس من يرضى بفعله، ويناصره عليه، ويحول بينه وبين الإنكار عليه، أو إقامة الحد أو أخذ الحق منه، فيكون هذا الذي فعل هذا مؤوياً له وناصراً له، وربما كان ذنبه وجرمه أعظم من الذي أحدث الحدث، فيكون أولى باللعن.
ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضَادَّ الله في أرضه) وإذا كان يُضَادُّه فهو يحاربه، والمحارب لله جل وعلا يكون من أبعد الناس عنه، قال تعالى وتقدس:{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[المجادلة:٥].