للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (ليس منا من تطير أو تطير له)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن عمران بن حصين مرفوعاً: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سَحر أو سُحِر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: (ومن أتى) إلى آخره].

يقول العلماء: من الضوابط التي تضبط بها الكبيرة: أن يقال على فعل من الأفعال: من فعل هذا فليس منا، أو إنه ملعون، أو من فعل ذلك فأنا منه بريء، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من مسلم بات بين ظهراني المشركين).

فهذا مما يقال: إنه من الكبائر.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا تطير أو تطير له).

التطير هو: التشاؤم بفعل الطيور، وقد يكون بفعل الحيوانات، وقد يكون بفعل الآدميين ورؤيتهم، فبعض الناس إذا خرج فقابله إنسان إما به عور بأحدى عينيه يتشاءم منه ويرجع، أو يرى أعرج أو مريضاً أو ما أشبه ذلك فيتشاءم بذلك ويرجع عن حاجته التي خرج من أجلها، أو يرى عكس ذلك فيذهب معتمداً على هذا، ويعتقد أنه سيصيب بغيته.

فالتطير من الشرك؛ لأن المخلوق ما يتصرف في النفع والضر والإيجاد والإعدام، وإنما الأمور بيد الله جل وعلا، والمسلم يجب أن يكون متوكلاً على الله ولا يثنيه عن مراده ما يسمع أو يرى، فعليه ألا يلتفت إلى ذلك.

كان رجل جالساً عند ابن عباس رضي الله عنه فجاء غراب ينعق فقال الرجل: خير خير، فأنكر عليه ابن عباس وقال: ويحك! وأي شيء عند هذا؟ أي: أنه لا خير عنده ولا شر.

فلا يجوز أن يتعلق الإنسان بشيء من هذه الأشياء، فإن هذا من أمر الجاهلية.

قوله: (ليس منا من تَطير) يعني: فعل ذلك بنفسه، (أو تُطير له) يعني: أمر من يفعل له ذلك واستمع إليه، وكذلك: (ليس منا من سحر أو سحر له) يعني: من فعل السحر أو أمر ساحراً أن يفعل له السحر، فإنه يكون مثله سواء.

كذلك غير ذلك من الأمور التي يشترك الفاعل والراضي بها فهما سواء، فإن الراضي بالفعل يكون شريكاً للفاعل، وهذا مطلق في كل منكر، بل وفي كل خير.

فالراضي يكون مشاركاً لمن فعله، وقد يكون مساوياً له في الإثم.

وأما كون الإنسان يتطير له، فقد يكون الإنسان لا يحسن التطير، فيأمر من يحسن ذلك أن يتطير له ويستمع له ويعمل به.

فأقل ما يقال فيه: إنه مرتكب جرماً يستحق عليه العذاب؛ لأنه قال: (ليس منا) وإلا فظاهره أنه كفر؛ لأن الذي ليس من المسلمين فهو من الكافرين، هذا هو ظاهر اللفظ، ولكن هو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر) فنقول: نطلق هذا القول كما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، ونسكت، ويجوز أن يكون المراد به الخروج من الدين، ويجوز أن يكون المراد به أقل من ذلك، والله أعلم.

والواجب أن يترك كما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لأمور: الأمر الأول: أن هذا أدعى للانزجار والابتعاد عن اقتراف هذه المعاصي، بخلاف ما إذا فسرناه تفسيراً يقلل من الإثم، فإنه قد يجترئ عليه، وهذا أمر مقصود للمتكلم، ولا يجوز تهوين الأمر على خلاف ما قاله المتكلم.

الأمر الثاني: الذي يتكلم بهذا ليس متيقناً بالمعنى، فعنده شك، ويكون في خطورة؛ لأنه قال على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، ولا يجوز للإنسان أن يقول في مسائل العلم إلا عن علم واعتماد على دليل، وهذا الدليل محتمل كذا يحتمل كذا، فيتعين أن يترك على ظاهره.

فهذان الأمران يكفيان في كون الإنسان يتوقف في هذا، وهذا القول هو اختيار كثير من الأئمة.

وجمهور العلماء -كما قال النووي رحمه الله- يتأولون ذلك.

[قوله: (ليس منا) فيه: وعيد شديد يدل على أن هذه الأمور من الكبائر، وتقدم أن الكهانة والسحر كفر.

قوله: (من تطير) أي: فعل الطيرة، (أو تطير له) أي: قبل قول المتطير له وتابعه، وكذا معنى: (أو تكهن أو تكهن له) كالذي يأتي الكاهن ويصدقه ويتابعه، وكذلك من عمل الساحر له السحر.

فكل من تلقى هذه الأمور عمن تعاطها فقد بريء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكونها إما شركاً كالطيرة، أو كفراً كالكهانة والسحر.

فمن رضي بذلك وتابع عليه فهو كالفاعل؛ لقبوله الباطل واتباعه.

قوله: (رواه البزار) هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق أبو بكر البزار البصري صاحب المسند الكبير.

وروى عن ابن بشار وابن المثنى وخلق، مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين].