للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث: (من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)

قال المصنف: [وعن خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) رواه مسلم.

هي خولة بنت حكيم بن أمية السلمية، يقال لها: أم شريك، فيقال: إنها هي الواهبة، وكانت قبل تحت عثمان بن مظعون].

الواهبة يعني: التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووهبت له نفسها، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يردها، وكان عنده رجل فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، وذكر الحديث.

وهذا الحديث: (من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شرك ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل) يدلنا على أن الاستعاذة يجب أن تكون بالله أو بصفة من صفاته، وكلمات الله هي صفة من صفاته، وكلماته جل وعلا تنقسم إلى قسمين: كلمات دينية شرعية أمرية مثل القرآن؛ فهو كلامه الديني الأمري الذي يشرع به لعباده الأوامر، وينهاهم عن النواهي، فهذا كلام الله جل وعلا الذي تكلم به وسمعه جبريل من الله جل وعلا، ثم جاء به جبريل عليه السلام إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم، فسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم من جبريل، ثم أسمعه أصحابه، ثم لم تزل الأمة يسمع بعضها كلام الله من بعض جيلاً بعد جيل إلى يومنا هذا، والله جل وعلا أخبرنا أنه تولى حفظه، وهذا من حفظه، فلو حاول أي محاول أن يغير أو يبدل في كلام الله ما استطاع؛ لأن في الأمة من لا حصر لهم يحفظونه من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، فلو أراد مريد سوء أن يغير في المصحف شيئاً، فإن أصحاب الكتاتيب يردون عليه، ويعرفون أنه خطأ؛ لأن القرآن محفوظ، يحفظه المسلمون في صدورهم، فضلاً عن إثباته في الكتابة، والمقصود أن هذا القرآن كلامه الأمري الشرعي.

القسم الثاني من كلمات الله: كلماته الكونية القدرية، وهي التي يكون بها الأشياء ويقدرها، فهي التي لا يجاوزها بر ولا فاجر.

أما كلماته الدينية الشرعية فإن الفجار يتجاوزونها، يعني: يعصون أوامره، ويرتكبون نواهيه، بخلاف الكلمات الكونية فإنه لا أحد يستطيع أن يتعداها، والكلمات الكونية هي التي يقدر بها الأشياء ويكونها، فالكون كله يسير على وفق تقديره وتكونيه جل وعلا، والعباد كلهم مسخرون تجري عليهم أقداره وقهره، لا أحد يستطيع أن يخالف قدر الله جل وعلا وتكوينه، والكلمات الكونية غير الكلمات الشرعية، وكلها صفة لله جل وعلا، وكلها يستعاذ بها؛ لأنها من صفات الله.

ولهذا استدل العلماء بهذا الحديث على أن القرآن كلام الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالاستعاذة بمخلوق، أمر أن نستعيذ بكلماته، فكلماته -إذاً- من صفاته جل وعلا؛ ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ بذلك، وأخبر أن الاستعاذة بالمخلوق شرك، فدل هذا على أن الاستعاذة بكلمات الله هي استعاذة بصفته جل وعلا، وكلام الله من صفاته.