للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[متى يجب الوفاء بالنذر]

جاء في رواية أنه نذر إن ولد له مولود ذكر أن يذبح على بوانة خمسين رأساً من الغنم، أو قال: من الإبل، وأنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في حجة الوداع، يعني: في آخر حياته صلوات الله وسلامه عليه، فقال: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية؟) والوثن: عام في كل ما يعبد من دون الله سواء كان ميتاً أو كان حجراً أو غير ذلك، يعني: كان قبراً أو شجراً أو حجراً أو غير ذلك، وسبق بيان الفرق بين الوثن والصنم: فالصنم ما كان على صورة حيوان أو إنسان، وأما الوثن: فهو أعم سواء كان شجراً أو حجراً أو قبراً أو غير ذلك، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فقوله: (هل كان فيها وثن؟) عام في كل ما يعبد من دون الله، وهذا استفصال منه واستفسار، فقالوا: لا، لم يكن فيها شيء من ذلك، فقال: (هل كان فيها عيد من أعياد الجاهلية؟) العيد اسم لما يعود ويتكرر، سواء يعود بالفعل، أو يعود بالزمن، أو مكان يعاود إليه، وهذا كله جاءت النصوص به، وكلها تسمى عيداً، الأفعال مع الوقت كقول ابن عباس: (شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقصد الصلاة مع الوقت.

وأما المكان فمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليّ أينما كنتم) (لا تجعلوا قبري عيداً) يعني: لا تتردوا إليّ (وصلوا عليّ أينما كنتم) هذا يكون في المكان.

وأما في الزمن فمثل ما جاء أن يوم الأضحى ويوم الفطر عيد المسلمين، وكذلك يوم الجمعة يسمى عيداً، فهذا يقصد به الزمن، ولكن لا بد أن يتبعه فعل، فقوله: (هل كان فيها عيد من أعيادهم؟) يشمل هذا كله، سواء كان مكاناً يجتمعون فيه، أو كان مكاناً يعملون فيه أي: عمل من أعمال الجاهلية، سواء من الأعمال العادية أو التعبدية؛ يكون عيداً من أعيادهم، فلا يجوز أن يوافقوا على هذا، وفي هذا دليل على أنه يجب مخالفة الكفار في كل أفعالهم وأعيادهم التي يتخذونها سواء كانت عادات أو عبادات، فلابد أن يخالفوا في هذا؛ لأنه مطلوب شرعاً، ولأن النصوص دلت على هذا.

فلما ذكر له أنه لم يكن فيها وثن ولا عيد من أعيادهم، قال له: (أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) يقول العلماء: إنه إذا جاء الحكم مذكوراً بالفاء، مرتباً على وصف سابق، فإنه يكون علة فيه، ويجب أن تتوافر تلك الصفات وإلا لا يكون الحكم ثابتاً، والحكم هنا: الوفاء بالنذر، والصفة التي ذكرت كونه لم يكن فيه وثن ولا عيد، فدل هذا على أنه لو كان فيه وثن أو عيد أنه يكون نذر معصية، ونذر المعصية الوفاء به حرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله) (لا وفاء) هذا نفي، أي: لا يجوز الوفاء بالنذر في معصية الله.

فدل على أن الإنسان إذا خصص مكاناً لأداء النذر فيه، وكان خالياً من هذه الموانع حيث لم يكن محلاً للتعبد في الجاهلية ولو كان سابقاً ولو كان قديماً، ولو كان قد زال وذهب؛ فإن الوفاء بهذا النذر معصية، أو كان فيها عيد كالأسواق التي يترددون إليها للعب والاجتماع وما أشبه ذلك من أعيادهم التي يعتادونها، فإنه لا يجوز الوفاء بهذا.