يعني: أن السماء الدنيا بينها وبين الأرض مثل ما ذكر في المسافة بين سماء وسماء، وبين السماء السابعة والكرسي، وبين الكرسي والبحر الذي عليه العرش، وفوق الماء عرش الرحمن، وهو أعظم المخلوقات وأوسعها، وقد أخبرنا ربنا جل وعلا أن كرسيه وسع السماوات والأرض.
وسبق أن نسبة الكرسي إلى العرش كحلقة من حديد ألقيت في أرض من الفلاة، فهو صغير بالنسبة إلى العرش، فالعرش أعظم مخلوقات الله على الإطلاق وأوسعها وأكبرها، ولهذا يسأل الله بذلك، فيقال:(ورب العرش العظيم)، كما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقو ل في دعائه:(اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض) إلخ.
فيأتي التوسل في ذكر ربوبيته للعرش وعظمة العرش بقوله:(رب العرش العظيم).
وقد جاء هذا في مواضع متعددة من القرآن، فمرة يوصف بالكرم {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون:١١٦]، والكريم معناه: الواسع العظيم، ومرة يوصف بالعظمة {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[التوبة:١٢٩]، والشيء الذي يعظمه الله جل وعلا عظيم، فهو أعظم المخلوقات على الإطلاق.
والعرش ليس مكوراً كالسماوات؛ لأنه له قوائم، وله حملة، أما السماوات فإنها مستديرة كل سماء محيطة بالتي تحتها، والسماء الدنيا محيطة بالأرض من جميع الجهات، والسماء التي فوقها محيطة بالتي تحتها، وهكذا.
أما العرش فهو له قوائم، وله حملة، فليس مستديراً، بل هو أوسع من كل المخلوقات على الإطلاق وأعظمها وأكبرها.
وقد جاء في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- أنه قال:(إذا سألتم الله الجنة فسألوه الفردوس؛ فإنه أعلى الجنة وأوسطها، ومنه تفجر أنهار الجنة، وسقفه عرش الرحمن)، فسقف الفردوس عرش الرحمن، فعرش الرحمن أعلى المخلوقات، والفردوس هي أعلى الجنان، ولا يكون الشيء وسطه أعلاه إلا إذا كان مكوراً على شبه الكرة، فهو الذي يكون وسطه أعلاه، لهذا قال وسط الجنة وأعلى الجنة.
أما إذا كان مسطحاً فلا يكون كذلك، أي: لا يكون وسطه أعلاه، فما يلزم أن يكون وسطه أعلاه، ولهذا ذكر أنه منه تفجر أنهار الجنة، وأنهار الجنة تفجر من أعلى شيء في الجنة، فالفردوس هو أعلى الجنان، وهو أرفعها، وهو مستقر عباد الله الذين وصفهم بأنهم لا يعبدون غيره، ولا يعصونه وهم يستطيعون، ولا يتركون أمره، وهم أولياؤه.