[منزلة الشهادتين من الدين]
قال الشارح رحمه الله تعالى: [قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأول الإسلام وأول ما يؤمر به الخلق شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلماً، والعدو ولياً، والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال، ثم إن كان ذلك من قلبه فقد دخل في الإيمان، وإن قاله بلسانه دون قلبه فهو في ظاهر الإسلام دون باطن الإيمان].
أي: يكون منافقاً.
والمنافق مسلم في الظاهر، بمعنى أنه تجري عليه أحكام الإسلام، ويعامل معاملة المسلم مع المسلمين من المناكحة والمعاملة وغيرها، وفي الباطن هو كافر أمره إلى الله جل وعلا، وإذا مات على نفاقه فهو في الدرك الأسفل من النار تحت الكفار، بل أشد عذاباً من الكفار، وذلك لأنه جعل مخافة الناس أشد من مخافة الله، وصار يفعل ويقول من أجل الناس لا يخاف الله، وأما في باطنه فهو يعتقد أن دين الإسلام باطل.
ولهذا إذا خلا وحده أو انفرد مع أصحابه بدأ بالاستهزاء والتهكم والكفر والسخرية وعدم المبالاة، وكذلك التخطيط والمؤامرة في تدمير الإسلام والمسلمين.
وهذا في الواقع من أضر الأمور على الإسلام والمسلمين، كونه يندس في صفوفهم من ليس على دينهم بل هو عدو لهم، وهو في الظاهر يظهر الموافقه، ولكنه في الباطن قد أبطن المنافقة والكفر، ولهذا لما ذكر الله جل وعلا أقسام الناس في أول سورة البقرة ذكر المؤمنين في أربع آيات، ثم ذكر الكافرين في آيتين، ثم ذكر المنافقين في بضع عشر آية، وذلك لشدة خطرهم، وكذلك لما ذكرهم في سورة المنافقين قال عنهم: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون:٤] يعني: لهم مناظر جميلة وهيئة.
{وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:٤] يعني إنهم عندهم فصاحة وعندهم لسان.
إذا قالوا قولاً أعجبك قولهم وسمعت له، ولكن داخلهم خبيث.
وقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:٤] لماذا شبهوا بالخشب المسندة؟ لأن الخشبة إذا أسندت صارت حملاً على غيرها، ولا فائدة فيها أصلاً، ومادامت الخشبة في شجرتها فهي تتحمل وتقوم بنفسها، وقد تنفع بظلها وغير ذلك، أما إذا قطعت وصارت خشبة مسندة فإنها تصير عبئاً على غيرها، وهكذا المنافق عبء على غيره لا خير فيه، ومع ذلك ذكرهم بالخوف والهلع: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:٤]، فإذا سمعوا شيئاً من حولهم خافوا، ولهذا يبادرون إلى تخطيطاتهم وإلى تنفيذها خوفاً من أن يأتيهم الضرر.
ثم قال: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:٤]، ثم بين جل وعلا أنهم لا يبالون بالأعمال الصالحة، ولا تهمهم ولا يلتفتون إليها: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} [المنافقون:٥] مستكبرين ومعرضين ومستهينين لا يبالون بذلك.
فالمقصود أن الله جل وعلا بين أوصافهم هنا بياناً شافياً، وكذلك في سورة التوبة، ولهذا سماها الصحابة (الفاضحة) لأنها فضحت المنافقين حيث بينت أوصافهم، قالوا: لم يزل الله جلا وعلا يقول: ومنهم ومنهم ومنهم حتى تبين أمرهم جلياً.
والحاجة شديدة إلى معرفتهم، فهم مندسون بين صفوفنا بكثرة، ويجب على المسلم أن يتنبه لهم، فإنهم في الواقع ضرر عظيم جداً، ولهذا السبب أكثر الله جل وعلا من أوصافهم وجلاها وبينها حتى يكون المسلم على بينة منهم.