للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عبادة بعض هذه الأمة للأوثان]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان] مراده بهذا الرد على الذين يعبدون القبور ويقولون: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب)، ولقوله: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة)، فاعتقدوا أن الشرك غير واقع في هذه الأمة، وأفعالهم سموها توسلاً وحباً للصالحين، وجعلوها قربات، يعتقدون أنها تقربهم إلى الله، وهذا بسبب جهلهم بدين الإسلام، الدين الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم جهلوه، فجعلوا مجرد النطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله كاف في نجاة الإنسان.

وهذا جهل عظيم أكثر من جهل أبي جهل، وأمثاله الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أولئك لما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (قولوا: لا إله إلا الله)، قالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟! يعني: عرفوا أنهم إذا قالوا: لا إله إلا الله وجب عليهم أن يعبدوا إلهاً واحداً، ويتبرءون من بقية الآلهة التي هي معبودات باطلة على تنوعها، وهؤلاء ما عرفوا هذا، والسبب في هذا يدور على شيئين: أحدهما: جهلهم معنى العبادة، ما عرفوا معنى العبادة، فصاروا يقصرون العبادة على السجود، وعلى اعتقاد أن المسجود له يحيي ويميت ويتصرف بالخلق والإيجاد، فإذا لم يكن كذلك فمهما صنعت نحوه من الدعاء والتوسل والالتجاء إليه لا يكون شركاً.

الأمر الثاني: أنهم جهلوا معنى الإله الذي يعرفه العرب من لغتهم، فهو الذي تألهه القلوب بأي شيء كان، جهلوا هذا، وهذا بين واضح في كتاب الله، فإن كل من تأله شيئاً وتعلق قلبه به يكون مألوهاً له؛ ولهذا يقول الله جل وعلا: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:٢٣] يقول العلماء: معنى ذلك أنه إذا هوى شيئاً -يعني: اشتهاه- فعله، بدون خوف من الله جل وعلا، ولا مراقبة، فيكون هواه شهوته وما يحبه؛ لهذه الأمور قالوا: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة، والعجب أن هؤلاء الذين يقولون مثل هذا القول ويفعلون هذه الأفعال، يعدون من العلماء، ويشرحون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكتبون تفسير كتاب الله، ويكتبون الكتب في أنواع العلوم، ولكنهم في توحيد الله أجهل من المشركين! نسأل الله العافية.

أراد الشيخ رحمه الله بهذا الباب أن يرد على مثل هؤلاء، وأن يبين بطلان قولهم، وأن هذا قول مناف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجوز أن يكون المسلم بهذه الصفة، ثم بين أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع قول الله جل وعلا لا تتضارب ولا تتعارض، وقوله: (أيس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب) لا ينافي أو يعارض قوله: (ولا تقوم الساعة حتى يعبد فئام من هذه الأمة الأوثان، وحتى يلتحق جماعات من هذه الأمة بالمشركين)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)، وكذلك قوله: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة)، وذو الخلصة صنم من الأصنام القديمة، وكذلك الآيات التي ذكرت وهي كثيرة، ولكن عادة المؤلف رحمه الله أنه يقتصر على الشيء الذي يكفي أن يكون دليلاً ومقنعاً لمن مراده الحق؛ لأن هذا هو الذي ينفع معه التوجيه والكلام والاستدلال، أما الذي له وجهة معينة فإنه قد عمي بصره عن الأدلة وصم سمعه عن استماع القول وإن كان حقاً؛ لأنه يريد شيئاً معيناً، فهذا مهما أتيته بالأدلة، ومهما أكثرت عليه؛ ما يستفيد من ذلك، والكتب التي تؤلف وتوضع هي لمن يكون مريداً للحق ويجهله، فإذا تبين له أخذ به واتبعه، بغض النظر عمن جاء به ومن قاله؛ لأن الهدف هو عبادة الله جل وعلا واتباع الحق، هؤلاء هم الذين ينفع فيهم القول، وتنفع فيهم الكتب، والمؤلف نحا هذا النحو؛ ولهذا يقتصر على القليل من الأدلة، ويعتمد على أن تكون واضحة؛ ولهذا يذكر الحديث الواضح الجلي وإن كان في سنده ضعف، ولكنه يجعله عاضداً وشاهداً لأدلة ثابتة يقينية مثل آيات يذكرها من كتاب الله جل وعلا، هذه طريقة المؤلف التي سلكها في هذا الكتاب.