للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عجز وضعف المدعوين من دون الله]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [يخبر تعالى عن حال المدعوين من دونه -من الملائكة والأنبياء والأصنام وغيرها- بما يدل على عجزهم وضعفهم، وأنهم قد انتفت عنهم الأسباب التي تكون في المدعو، وهي: المُلك.

وسماع الدعاء.

والقدرة على استجابته.

فمتى لم توجد هذه الشروط تامة بطلت دعوته، فكيف إذا عُدمت بالكلية؟! فنفى عنهم الملك بقوله: {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر:١٣] قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة: القطمير: اللفافة التي تكون على نواة التمر.

كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقَاً مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئَاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ} [النحل:٧٣]، وقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:٢٢ - ٢٣]، ونفى عنهم سماع الدعاء بقوله: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} [فاطر:١٤]؛ لأنهم ما بين ميت وغائب عنهم مشتغل بما خلق له، مسخَّر بما أُمر به كالملائكة، ثم قال: {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [فاطر:١٤]؛ لأن ذلك ليس لهم، فإن الله تعالى لم يأذن لأحد من عباده في دعاء أحد منهم لا استقلالاً ولا واسطة، كما تقدم بعض أدلة ذلك.

وقوله: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر:١٤]، فتبين بهذا: أن دعوة غير الله شرك، وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزَّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدَّاً} [مريم:٨١ - ٨٢].

وقال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر:١٤].

قال ابن كثير: يتبرءون منكم، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٥ - ٦].

قال: وقوله: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٤] أي: ولا يخبرك بعواقب الأمور ومآلها، وما تصير إليه مثل خبير بها.

قال قتادة: يعني نفسه تبارك وتعالى، فإنه أخبر بالواقع لا محالة.

قلت: والمشركون لم يسلِّموا للعليم الخبير ما أخبر به عن معبوداتهم؛ فقالوا: تملك وتسمع وتستجيب وتشفع لمن دعاها، ولم يلتفتوا إلى ما أخبر به الخبير من أن كل معبود يعادي عابده يوم القيامة، ويتبرأ منه، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعَاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَاً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ * هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس:٢٨ - ٣٠]].

معنى قوله: ((فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ)) يعني: فرقنا بينهم في المحبة؛ فأصبح كل واحد عدواً للآخر، كل واحد يلعن الآخر ويعاديه، وإن كانوا في الدنيا يزعمون أنهم أولياؤهم وأنهم يحبونهم، فيتبين لهم يوم القيامة عكس ما كانوا يعتقدونه في الدنيا، وهذا معنى التزييل: (زيلنا بينهم)، وهو مثل الآية التي في سورة البقرة: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ} [البقرة:١٦٦]، والآية التي في قصة إبراهيم: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً} [العنكبوت:٢٥] فالله جلَّ وعلا يذكر هذه المعاني في ألفاظ مختلفة ومتنوعة؛ حتى يفقه الناس ويعلموا ويبتعدوا عن هذه الأمور؛ لأن القرآن هو التبيان لكل شيء، وهو الموضح إيضاحاً جلياً لا إشكال فيه.