{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(عزيز عليه): يعني: يشق عليه عنتكم، والعنت هو الأمر الذي يقع لهم العذاب من جهته، وهذا يقتضي أنه لا بد أن يبين لهم ما ينفعهم، وأن يحميهم من السلوك في المسالك التي تضرهم إذا سلكوها، هذا وجه الاستدلال، (عزيز عليه ما عنتم) يعز عليه -أي: يشق عليه- عنتكم، يعني: الشيء الذي فيه عذابكم وفيه هلاككم شاق عليه صلوات الله وسلامه عليه.
(حريص عليكم) أي: حريص على هدايتكم (بالمؤمنين رءوف رحيم) ورأفته ورحمته بهم أن ينالهم عذاب الله أشد وأعظم من رأفته ورحمته بهم أن ينالهم شيء من أمور الدنيا المؤذية، فتضاعف رأفته ورحمته بأن يبين لهم الطريق الذي يسلكونه ويسلمون به من عذاب الله الأخروي، ومن مقتضى ذلك أن ينهاهم عن كل طريق يوصل بهم إلى ما يسخط الله جل وعلا ويغضبه.
والرأفة شدة الرحمة، فهي أبلغ من الرحمة، (رءوف) يعني: أنه وصل الغاية في رحمتهم، رءوف بالمؤمنين ورحيم بهم، وتقديم المعمول يدل على الاختصاص، أي: أن رأفته ورحمته بالمؤمنين فقط، وأما الكافرون فهو غليظ وشديد عليهم كما وصفه الله جل وعلا في قوله:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}[الفتح:٢٩]، وقال جل وعلا في أمره بذلك:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[التوبة:٧٣] أمره أن يغلظ عليهم؛ ولهذا كان ممتثلاً لذلك، فرأفته ورحمته صلوات الله وسلامه عليه هي بالمؤمنين فقط، أما الكافرون فهو قتّال لهم، وشديد عليهم؛ ولهذا جاء في صفته في الكتب السابقة (الضّحاك القتّال) صلوات الله وسلامه عليه، يعني: ضحاك للمؤمنين، قتّال للكافرين، والمؤمن يجب أن يكون متحلياً بحلته، ومتصفاً بصفته، فإنه قدوته صلوات الله وسلامه عليه.