للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معصية الله ورسوله فساد في الأرض]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١]].

هذه الآية يقصد بها أن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم فساد، وأن صلاح الأرض في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١] يعني: بزعمهم، وهم في الواقع يفسدون في الأرض؛ لأنهم لا يطيعون الله ولا يطيعون رسوله، فكل معصية يعصى الله جل وعلا بها ويخالف الرسول صلى الله عليه وسلم فيها أمراً ونهياً، تكون من الفساد في الأرض، ومن ذلك أنهم يتحاكمون إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يريدون التحاكم إلى غيره، فإنه من الإفساد في الأرض، هذا هو وجه الاستدلال بالآية، فكل معصية وقعت من الناس فهي فساد في الأرض، وكل طاعة تكون من الصلاح، لأن الله أصلح الأرض بالرسالة، والذي يخالف ما جاء به الرسول يكون مفسداً، سواء أكان عالماً بأنه مفسد أم غير عالم فالفساد واقع.

ولهذا فإن إخوة يوسف لما سمعوا المؤذن يقول: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:٧٠ - ٧٢] قالوا بعد ذلك: {تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ} [يوسف:٧٣]؛ لأن السرقة إفساد في الأرض، فكل معصية تقع من الناس فهي إفساد في الأرض، وكل طاعة -ولا تكون الطاعة إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم- تكون إصلاحاً للأرض، فالله أصلح الأرض برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك رسالة الرسل قبله فإنها للإصلاح، ومخالفتها تكون إفساداً، ومن ذلك كون الإنسان يريد أن يفض النزاع وينهي الخلاف بشيء غير الوحي الذي جاء به الرسول بشخص أو غيره، فإنه يكون من الإفساد في الأرض.

قال الشارح رحمه الله: [وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١] قال أبو العالية في الآية: يعني: لا تعصوا في الأرض؛ لأن من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية الله فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء إنما هو بطاعة الله ورسوله.

وقد أخبر تعالى عن إخوة يوسف عليه السلام في قوله تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} [يوسف:٧٠ - ٧٣] فدلت الآية على أن كل معصية فساد في الأرض].

وكذلك قصة شعيب عليه السلام بمحاجته قومه، فقد أمرهم بأن يوفوا الكيل والميزان ولا يطففوا، وقال لهم بعد ذلك: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:٥٦] وهذا يدل على أن تطفيف الميزان وعدم الوفاء به إفساد في الأرض، فدل ذلك على أن كل معصية تكون فساداً في الأرض.

قال الشارح رحمه الله: [ومناسبة الآية للترجمة أن التحاكم إلى غير الله ورسوله من أعمال المنافقين، وهو من الفساد في الأرض.

وفي الآية التنبيه على عدم الاغترار بأقوال أهل الأهواء وإن زخرفوها بالدعوى، وفيها التحذير من الاغترار بالرأي ما لم يقم على صحته دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم].