للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الحراسة في سبيل الله]

قال الشارح رحمه الله: [وروى الإمام أحمد أيضاً عن مصعب بن ثابت أن عبد الله بن الزبير قال: عثمان رضي الله عنه -وهو يخطب على منبره-: إني محدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن يمنعني أن أحدثكم به إلا الضن بكم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها)].

هذا الحديث الذي قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن رواته ثقات وهذا شيء عجيب! لأن هذا أتى في ليلة القدر، كما قال الله جل وعلا: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:١ - ٣]، ألف شهر أي: قرابة ثلاثة وثمانين سنة، أي أن الإنسان يعمل هذه الليلة عملاً صالحاً خير وأكثر من عمر إنسان فيه صلاة وصيام.

قال الشارح رحمه الله: [وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن المبارك قال: قال عبد الله بن محمد، قاضي نصيبين، حدثني محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة أنه أملى عليه عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، ووعده الخروج، وأنفذها معه إلى الفضيل بن عياض في سنة سبع وسبعين ومائة قال: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب قال: فلقيت الفضيل بكتابه في المسجد الحرام، فلما قرأ ذرفت عيناه فقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟ قلت: نعم، قال لي: اكتب هذا الحديث: وأملى علي الفضيل بن عياض: حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: (يا رسول الله! علمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله فقال: هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر وتصوم فلا تفطر؟ فقال: يا رسول الله! أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فو الذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت فضل المجاهد في سبيل الله، أما علمت أن فرس المجاهدين ليستن في طوله فيكتب له بذلك حسنات؟).

معروف أن عبد الله بن المبارك رحمه الله من العلماء العاملين المجاهدين الذين كانوا يلازمون الثغور وهذه الأبيات أرسلها إلى الفضيل بن عياض وسماه عابد الحرمين؛ لأن الفضيل كان في مكة، وفيها إشارة إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منها أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يجتمع غبار في سبيل الله في منخر عبد ودخان جهنم)، يعني: أن الذي يقاتل في سبيل الله ويدخل في أنفه غبار لا يرى النار أبداً، وكذلك هذا الغبار في سبيل الله أطيب من ريح العبير، والعبير هو طيب الطيب، وهذا أيضاً جاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه أيضاً أنه يقول: جاء مع نبينا أن الشهيد حي، يقول الله جل وعلا: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة:١٥٤] أي: وإن كانت قد فارقت روحه بدنه في القتل، فهو حي حياة الله أعلم ما هي، ولكنها حياة أكمل من حياة الدنيا.