للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التلازم بين إيمان القلب ونطق اللسان وعمل الجوارح والأركان]

وكذلك لابد أن يقول: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلابد أن يشهد بهذا، وهذا قول اللسان، وقد اتفق العلماء على أن الإنسان لو علم في قلبه، وأيقن في قلبه أن الله الإله الحق، وأنه هو القهار المتفرد في كل شيء، وأنه هو الذي يجب أن يعبد ولا يجوز أن يعبد غيره، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق جاء بالرسالة من عند اللهـ لو علم الإنسان هذا يقيناً في قلبه، ولم ينطق بالشهادتين -شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله- ومات على ذلك فهو خالد في النار وكافر بالله جل وعلا وبرسوله، فلابد من النطق بالشهادتين، وهذا اتفق عليه العلماء وقد نقل إجماعهم النووي رحمه الله وغيره.

وكذلك اتفقوا على أن الإنسان لو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا العلم يقيناً، ثم أحجم عن العمل فلم يصل، ولم يؤد الزكاة الواجبة عليه، ولم يصم، ولم يفعل الأفعال فإنه يكون كافراً وليس بمسلم، فإذاً لابد من اجتماع الأمور الثلاثة: أن يعلم في قلبه، ويوقن، وأن ينطق بلسانه بالشهادتين، وأن يعمل بجوارحه فيقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان، وهذا هو معنى قولهم: إن الإيمان مركب من أمور ثلاثة: من عقيدة القلب، ومن قول اللسان ونطقه، ومن عمل الأركان وعمل الجوارح من الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها مما أوجبه الله جل وعلا.

وكل هذه الوجوه إيمان، فدل هذا على أن الأعمال داخلة في الإيمان، وأنها تسمى إيماناً، ثم ذكر الدليل، والأدلة كثيرة جداً كما قال، ومنها قوله جل وعلا: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:١٤٣] يعني: صلاتكم والآية في نقل التوجه بالصلاة إلى الشام نحو بيت المقدس إلى مكة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان في مكة كان يتجه إلى الشام، ويجعل الكعبة أمامه ويصلي، ولكن لما جاء إلى المدينة لا يمكنه أن يفعل ذلك، فكان يستدبر الكعبة ويستقبل الشام، فبقي على هذا ما يقرب من ستة عشرة شهراً، أو ثمانية عشر شهراً، وهو يرجو من ربه أن يصرفه إلى قبلة إبراهيم، ولكنه لم يفعل إلا ما أمره الله جل وعلا به، فنزلت آيات كثيرة، وفيها توطئة بأن لله المشرق والمغرب، وأن المتوجه أينما توجه فإنه ثم وجه لله، فأينما يمم بالصلاة فثم وجه الله.

يعني أن الله جل وعلا محيط بكل شيء، ثم نزل التصريح: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:١٤٤]، وأخبر أن اليهود يعرفون أن هذا هو الحق، وأنه جاء من عند الله؛ لأن عندهم في كتابهم أن قبلة هذا النبي هي قبلة إبراهيم الكعبة، ولما نزلت هذه الآية والآيات التي بعدها قال الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: كيف بصلاتنا التي صليناها إلى بيت المقدس؟ أي: هل بطلت؟ فأنزل الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:١٤٣].

يعني: صلاتكم التي صليتموها إلى بيت المقدس فهذا واضح في أن الصلاة تسمى إيماناً، وكذلك الحديث الذي ذكر من حديث وفد عبد القيس، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (آمركم بالإيمان، أتدرون ما الإيمان؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وأن تؤتوا الخمس من المغنم) فذكر هذا الشيء، وهذا واضح جلي بأن القول والعمل داخل في الإيمان، والأدلة على هذا كثيرة جداً، والمخالف في هذا ليس عنده دليل إلا مجرد الأوهام، فالذي يذهب إليه أهل السنة أن الإيمان مركب من أمور ثلاثة: من العقيدة والعلم، ومن القول والنطق، والعمل، وأنه يزيد وينقص، فإذا عمل الإنسان وكثر عمله زاد إيمانه، والزيادة ليست في العمل فقط، فقد تكون الزيادة في اليقين، فقد يكون الإنسان في وقت أكثر يقيناً منه في وقت آخر، وكذلك القول قد يكون القول مطابقاً لما في القلب ومطابقاً لما في الواقع، وقد يكون مجرد قول قاله ولم يعرف معناه، ومعلوم أن مثل هذا يتفاوت، وكذلك الأعمال تتفاوت، فالزيادة والنقص في الجميع، في العلم وفي القول وفي العمل.