[الذابح لغير الله داخل في وعيد المشركين]
قال الشارح رحمه الله: [قوله: باب ما جاء في الذبح لغير الله، أي: من الوعيد وأنه شرك بالله.
وقوله الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ) الآية.
قال ابن كثير: يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذي يعبدون غير الله ويذبحون له: بأنه أخلص لله صلاته وذبيحته؛ لأن المشركين يعبدون الأصنام، ويذبحون لها، فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى، قال مجاهد: النسك الذبح في الحج والعمرة، وقال الثوري عن السدي عن سعيد بن جبير: (ونسكي) أي: ذبحي وكذا قال الضحاك: وقال غيره (وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي) أي: وما آتيه بحياتي وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح (لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) خالصاً لوجهه (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ) الإخلاص (أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) أي: من هذه الأمة لأن إسلام كل نبي متقدم.
قال ابن كثير: وهو كما قال فإن جميع الأنبياء قبله كانت دعوتهم إلى الإسلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥] وذكر آيات في هذا المعنى.
ووجه مطابقة الآية للترجمة: أن الله تعالى تعبد عباده بأن يتقربوا إليه بالنسك، كما تعبدهم بالصلاة وغيرها من أنواع العبادات، فإن الله تعالى أمرهم أن يخلصوا جميع أنواع العبادة له دون كل ما سواه، فإذا تقربوا إلى غير الله بالذبح أو غيره من أنواع العبادة فقد جعلوا لله شريكاً في عبادته، وهو ظاهر في قوله: (لا شَرِيكَ لَهُ) نفى أن يكون لله تعالى شريك في هذه العبادات، وهو بحمد الله واضح.
وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين وهما: الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع والافتقار وحسن الظن وقوة اليقين وطمأنينة القلب إلى الله وإلى عدته، عكس حال أهل الكبر والنفرة وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة لهم في صلاتهم إلى ربهم، والذين لا ينحرون له خوفاً من الفقر، ولهذا جمع بينهما في قوله: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) الآية.
والنسك: الذبيحة لله تعالى ابتغاء وجهه.
فإنهما أجل ما يتقرب به إلى الله، فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب؛ لأن فعل ذلك سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله تعالى من الكوثر.
وأجل العبادات البدنية: الصلاة، وأجل العبادات المالية: النحر.
وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع له في غيرها كما عرفه أرباب القلوب الحية، وما يجتمع له في النحر إذا قارنه الإيمان والإخلاص من قوة اليقين وحسن الظن: أمر عجيب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الصلاة كثير النحر.
انتهى.
قلت: وقد تضمنت الصلاة من أنواع العبادات كثيراً، فمن ذلك: الدعاء والتكبير، والتسبيح والقراءة، والتسميع والثناء، والقيام والركوع، والسجود والاعتدال، وإقامة الوجه لله تعالى والإقبال عليه بالقلب، وغير ذلك مما هو مشروع في الصلاة، وكل هذه الأمور من أنواع العبادة التي لا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الله، وكذلك النسك يتضمن أموراً من العبادة كما تقدم في كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عليه].