[شرك الأولين وقع فيه المتأخرون وزادوا عليه]
والعجيب أن هذه الأمور تقع في بلاد المسلمين، وربما كان معهم ممن معه أعلى الشهادات التي يأخذها من الجامعات الكبيرة، مثل جامعة الأزهر وغيرها، فيكون معهم، ويقرهم على هذا الشرك الأكبر الذي يكون صاحبه قد تجاوز الشرك بدرجاته بجهله، ثم مع ذلك يزعمون أنهم مسلمون.
فهذا من الأمور العجيبة، وقد سمعت كلمات عند قبر أحمد البدوي الطاغوت الكبير من بعضهم يسأل رفيقه فقال: أيهما خير: الله أو السيد أحمد البدوي؟ فقال مجيباً له: السيد أحمد البدوي خير من الله؛ سيدي يجيب ويعطي، والله لا يعطي ولا يجيب! فمثل هذا الطغيان وهذا العمى في القلب وفي العمل وفي العقل يقع في بلاد المسلمين -وللأسف- على مسمع ومرأى من كثير من العلماء، وهذا يوجد في جميع البلاد، نسأل الله العافية، ففي أكثر البلاد توجد عبادة القبور والاستنجاد بهم ودعاؤهم صراحة، بل إن أحدهم يستقبل القبر ويدعوه: يا فلان! أريد كذا وكذا يا فلان! أنا وقعت في كذا وكذا ويقول: يا سيدي! أعطني كذا وكذا! وربما يأتي ثم يكشف رأسه ويطأطئه ويقبل العتبات، وربما وضع خده على القبر وصار يتمرغ عليه ويذل له، يسأله سؤالاً لا يسأل بمثله الفرد الصمد رب السماوات والأرض، وكل هذا من الجهل الفظيع، ولكن لا يجوز أن يقع هذا الجهل، فالإنسان إذا وقع في مثل هذا فليس معذوراً، ولا يقال: إنه جاهل؛ لأن هذا لا يجوز أن يقع ممن عنده شيء من العقل؛ لأن المقبور الذي وضع تحت التراب كيف يجيب الدعاء؟! وكيف يسمع؟! ولو قدر أنه يسمع كيف يغيث؟! وكيف يجير؟! وهو إما معذب في قبره يكون عليه ناراً، وإما منعم إذا كان ولياً، ومع ذلك كله هو غافل عمن يدعوه، كما قال الله جل وعلا: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف:٥]، وقوله: (إلى يوم القيامة) يعني أنه لا يستجيب له أبداً.
ثم ذكر ماذا يكون يوم القيامة فقال: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٦] يعني: هؤلاء الذين يدعون وهم في الدنيا غافلون لأنهم في قبورهم إذا حشروا وجمعوا مع من عبدهم كفروا بهم وعادوهم ولعنوهم وتبرءوا منهم إلى الله وقالوا: أنت ولينا من دونهم.
فهذا هو الواقع كما ذكره الله جل وعلا، وهذا العمل هو شرك المشركين الذين كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل المشركون الأوائل جعلوهم وسائط وشفعاء، ولم يصلوا إلى هذا الحد، فقد كانوا إذا أرادوا أن يسألوا المطر سألوه من الله، وإذا أرادوا أن يسألوا الرزق أو الولد سألوه من الله، ويقولون: اللات والعزى لا تفيد، وإنما تكون شافعة فقط وإذا وقعوا في كرب وفي شدة أخلصوا دعاءهم لله جل وعلا، كما قال الله جل وعلا: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:٦٥] أي: يدعون الله فقط، ويتركون شركهم، ولكن إذا نجوا وجاء الرخاء عادوا إلى الشرك: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:٦٥] بخلاف هؤلاء؛ لأن أولئك أصح عقولاً وأتم أفكاراً، وكذلك نظرهم أحسن من نظر هؤلاء، فهؤلاء لا عقول ولا أفكار ولا أنظار، وإنما وقعوا في التقليد الأعمى، وجدوا آباؤهم يفعلون ذلك ففعلوا، حتى صار هذا الشيء متوارثاً، ولا أحد يجرأ على أن ينكر ذلك، وأمور عجيبة، يذكر أحد العلماء الذين كتبوا عن شيء من ذلك قصة وقعت له، فيقول: إنه كان عند شيخ في طنطا يدرس عليه في مسجد أحمد البدوي الذي يسمونه السيد، والحقيقة أنه كان جاسوساً لدولة الرافضة، هذا الذي عرف عنه، وما عُرف أنه سيد، وذكر أحد المؤرخين أنه زاره بعض من يعظمه يوم جمعة في بيته، فلما قربت الصلاة والخطبة قال: الصلاة، فذهب معه، فجلس في المسجد ولم يصل، وإنما بال فيه وخرج، والعجيب أن هذه جعلت منقبة له، كونه بال في المسجد وخرج، يقول: فما أحد جرؤ أن ينكر عليه؛ لأنه ولي من الأولياء.
والمقصود أن هذا الذي يذكر عن شيخه أنه كان يدرسه، يقول: فجاء وقت المولد واجتمع الناس الفلاحون وغيرهم، وكأن الناس في عرفات من كثرتهم، وهم مع أطفالهم ونسائهم، ولهم ضجيج وصخب، يقول: فأصبح الماء الذي يُتوضأ به مختلطاً مع القاذورات من كثرة الأوساخ والأشياء التي ترمى فيه، يقول: فلما أراد هذا الشيخ أن يصلي أتى وتوضأ بهذا الماء، فقلت له: كيف تتوضأ بهذا؟! قال: اسكت، ثم أراد أن يكون إماماً لي في الصلاة، فقلت: لا.
ولن أصلي معك، فقال: يا بني! والله لو كنت استسيغه لشربته، هؤلاء جاءوا إلى السيد أحمد البدوي وهو يرفع كل السيئات عنهم، يقول: وإني أخشى عليك أن يصيبك، كل هذا لأنه أنكر عليه أن يتوضأ بهذا الماء القذر الخبيث النجس نجاسة ظاهرة، وهذا في حوض السيد أحمد البدوي.
يقول: وبعد أيام مرض مرضاً شديداً، فأتيت إليه وقلت له: ها أنا في صحة وعافية وأنت في مرض تقاسي الحمى تكاد تموت، فأين نفع السيد أحمد البدوي؟! ولكنهم لا يعقلون، نسأل الله العافية! وإلا فهذا شيء لا يحتاج إلى مثل هذه الأمور؛ لأنه أمر ظاهر.
والإنسان يجب أن يكون متميزاً بعقله عن الحيوانات وعن غيرها، ويعرف من الذي خلق، ويعرف من الذي تجب العبادة له، فكيف يعبد إنساناً مثله؟! بل ليس مثله؛ لأن الميت ليس مثل الحي، الحي ينفع ويتصرف، والميت لا ينفع ولا يتصرف، بل هو مرتهن بعمله، ولكن إذا جاءت الفتنة وجاء البلاء وجاء التقليد الأعمى زال العقل وذهب، ويصبح الإنسان كأنه لا عقل له.