للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العبر العظيمة في قصة الثلاثة النفر]

[المسألة الرابعة: ما في هذه القصة العجيبة من العبر العظيمة].

يعني: قصة الثلاثة من بني إسرائيل: الأبرص والأقرع والأعمى، وملخصها كما سبق: أن الله ابتلاهم، والابتلاء المقصود: هو الاختبار، وعند الابتلاء والامتحان يكرم المرء أو يهان، إما أن يكرم في النهاية أو يهان نتيجة لذلك، فابتلاهم الله وأعطاهم الدنيا، وأعطاهم ما كانوا يتمنونه من صحة في أبدانهم من المرض الذي وقع فيهم، وأعطاهم من المال ما اشتهوه وأرادوه، ثم كثر ونما، وهذا ابتلاء ظاهر جداً؛ لأنه في النهاية أتى إليهم الملك بصورة الشخص الفقير في المرض الذي كان هو فيه، حتى يذكره بذلك، فأتى إلى الأبرص بصورة رجل أبرص فقير، وأيضاً زيادة على الفقر عابر سبيل، وليس معه شيء، فهو في حاجة شديدة جداً، ثم زيادةً على ذلك سأله، وما اكتفى بالحال؛ لأن مثل هذا إذا رآه بعض أهل الخير يكفيه منظره ولا يتركه إلى أن يسأل، ولكن مع ذلك سأله، وسأله بالله وقال: أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، وأعطاك المال بعد الفقر، أسألك بعيراً أتبلغ به في سفري هذا، فقد انقطعت بي الحبال أي: الأسباب، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، فهو سؤال بإلحاح، وبإظهار الحاجة الملحة، ومع ذلك أبى وقال: الحقوق كثيرة، ولو أعطيتك فيمكن أن أعطي الآخر والآخر ثم ينتهي المال، ولما قال له: كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ ألم تكن فقيراً؟ فقال: لا، هذا المال ورثته كابراً عن كابر، يعني: ورثه عن أجداده.

وهكذا بالنسبة للأقرع، وعند كل واحد يقول الملك: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت عليه، وفعلاً صير كليهما إلى ما كانا عليه؛ لأنهما كفرا بالله جل وعلا، ومن كفر نعمة الله عاقبه الله جل وعلا عاجلاً، وهذا هو العذاب العاجل.

أما الثالث فإنه شكر الله، واعترف بالنعمة وقال: كنت أعمى فرد الله علي بصري، وكنت فقيراً فأغناني الله جل وعلا، انظر هذا المال، فخذ منه ما تشاء، والله! لا أجهدك في شيء أخذته اليوم لله، يعني: إذا أخذت شيئاً فأنا لا أطلب منك رده أو أن تترك بعضه، بل خذ ما تشاء، وعند ذلك قال له: أمسك عليك مالك، إنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك.

فهذه القصة من الأمور الظاهرة الجلية التي فيها الآيات الذي يعرفها كل من سمعها، والمقصود أن يعتبر بها الإنسان، وكل إنسان لا يخلو من نعم الله جل وعلا.