للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أحكام صرف الزكاة]

قال الشارح رحمه الله: [وفيه: أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه أو نائبه، فمن امتنع من أدائها إليه أخذت منه قهراً].

هذا يدل عليه حديث فيه أن الإمام من المسلمين هو الذي يأخذ الزكاة أو نائبه الذي ينيبه، ثم إذا أخذها فقد برئت ذمة صاحبها.

[وفي الحديث دليل على أنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد، كما هو مذهب مالك وأحمد.

وفيه أنه لا يجوز دفعها إلى غني، ولا إلى كافر غير المؤلَّف، وأن الزكاة واجبة في مال الصبي والمجنون، كما هو قول الجمهور؛ لعموم الحديث].

الحديث يدل على أن الزكاة لا تجوز للغني، ولذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله جل وعلا هو الذي تولى قسمة الزكاة بين الأصناف الثمانية، فلا يجوز أن يتعدى المسلم بزكاته أحد هذه الأصناف.

أما كونه يجوز أن يدفع الزكاة لصنف واحد منها فقد أخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: (فأخبرهم أن الله جلا وعلا افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، والفقراء صنف واحد من أصناف الصدقة؛ فإن الله جل وعلا قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:٦٠] ثم عطف عليهم بقية الثمانية.

وكونها لا تجوز لكافر فقوله: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، فالضمائر تعود على المسلمين، فالكافر لا تؤخذ منه الصدقة، وكذلك لا يعطاها، ولكن خص من ذلك الكافر الذي يتألف لدخوله في الإسلام، وليس كل كافر، وإنما الرؤساء الذين إذا أسلموا أسلم بإسلامهم أناس كثير؛ لأن الله جل وعلا يقول في الآية: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة:٦٠] يعني أنهم يعطون ولو كانوا كفاراً تأليفاً لهم وترغيباً لهم في الدخول في الإسلام.

قال الشارح: [والفقير إذا أفرد في اللفظ تناول المسكين، وبالعكس كنظائره كما قرره شيخ الإسلام].

يعني أنه إذا قيل: (الفقير) دخل فيه المسكين، وإذا قيل: (المسكين) دخل فيه الفقير، أما إذا اقترنا كما في الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:٦٠] فكل واحد يفسر بنوع من أنواع الناس، ولا يكون هذا داخلاً في هذا، فيكون هذا مثل الإيمان والإسلام، فإذا جاء أحدهما دخل فيه الآخر، أي: إذا جاء مفرداً دخل فيه الآخر، كقوله جل وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] فهذا يدخل فيه الإيمان كله، أما إذا اجتمعا -كما في حديث جبريل- فإن لكل منهما معنىً، فإنه سأله عن الإسلام أولاً، ثم سأله عن الإيمان، ففسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة التي تكون في القلب، وهكذا الفقير والمسكين، وهذا له نظائر في لغة العرب.