للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوعيد والنهي عن قول (لو)]

[قوله: باب ما جاء في اللو أي: من الوعيد والنهي عنه عند الأمور المكروهة كالمصائب إذا جرى فيها القدر؛ لما فيه من الإشعار بعدم الصبر، والأسى على ما فات مما لا يمكن استدراكه.

فالواجب التسليم للقدر والقيام بالعبودية الواجبة، وهو الصبر على ما أصاب العبد مما يكره، والإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان الستة].

الصبر أصل عظيم لا يمكن أن يستقيم إيمان الإنسان إلا به، والصبر في دين الله جل وعلا في أمور ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله إذا وقعت، ويجب أن يكون المؤمن متحلياً بهذه الأقسام كلها، فيصبر على الطاعة ويصابر، ويصبر عن المعصية فلا يقع فيها، ويصبر على قدر الله جل وعلا إذا وقع فيه كالمصائب.

[وأدخل المصنف رحمه الله أداة التعريف على (لو)، وهذه في هذا المقام لا تفيد تعريفاً كنظائرها؛ لأن مراد هذا اللفظ كما قال الشاعر: رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً شديداً بأعباء الخلافة كاهله وقوله: وقول الله عز وجل: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:١٥٤]، قاله بعض المنافقين يوم أحد لخوفهم وجزعهم وخورهم.

قال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: قال الزبير: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا أرسل الله علينا النوم، فما منا رجل إلا ذقنه في صدره، قال: فو الله إني لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:١٥٤]، فحفظتها منه، وفي ذلك أنزل الله عز وجل: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:١٥٤] لقول معتب.

رواه ابن أبي حاتم.

قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:١٥٤] أي: هذا قدر مقدر من الله عز وجل، وحكم حتم لازم لا محيد عنه ولا مناص منه.

وقوله: وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:١٦٨] قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:١٦٨] أي: لو سمعوا مشورتنا عليهم بالقعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل.

قال الله تعالى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:١٦٨] أي: إذا كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت فينبغي لكم ألا تموتوا، والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة، فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين.

قال مجاهد عن جابر بن عبد الله: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه، يعني أنه هو الذي قال ذلك].

ومما يستشهد به على ذلك لما حضرت الوفاة خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو على فراشه قال: (قاتل الله الجبناء -أو قال: لا نامت أعين الجبناء- ليس في بدني موضع إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة رمح، وها أنا ذا أموت على فراشي) يعني: لأن القدر الذي قدره الله وكتبه لابد من وقوعه.