[ما جاء في الرقى والتمائم]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الرقى والتمائم].
يقول رحمه الله: باب ما جاء في الرقى والتمائم، الرقى: جمع رقية، والتمائم: جمع تميمة، والرقى منه ما هو ممنوع وشرك، ومنها ما هو مشروع ومستحب.
وكذلك التمائم منها ما هو منصوص عليه بأنه من الشرك، ومنها ما هو مختلف فيه، ولهذا جعل الترجمة مبهمة فقال: ما جاء في الرقى والتمائم، يعني: من النهي ومن الجواز، وهذا الباب من الأبواب التي يفسر بها التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله؛ لأنه يذكر في هذا الباب ما يضاد التوحيد، أو ما ينقصه ويذهب بكماله، ويكون هذا من باب التفسير.
والرقى المحرم منها: هو ما كان بغير أسماء الله جل وعلا مثل: أسماء الشياطين وأسماء الجن وغير ذلك مما هو ممنوع، أو مثل: الاستعاذة بغير الله، والاستعانة بغير الله، وكذلك ما كان من كلام لا يعرف معناه.
والتمائم كذلك، فإذا كانت التميمة التي تعلق يكتب بها كتابات لا يعرف معناها، أو كتابات بأسماء الجن وأسماء الشياطين، أو أسماء الذين يستعان بهم، أو بحروف مقطعة وكلمات لا تؤدي إلى معنى مفهومٍ واضح أو بكلامٍ غير عربي، وما أشبه ذلك؛ فهذا ممنوع، وهو من المحرمات التي لا يجوز أن يستعملها المسلم.
وأما إن كانت التميمة بآيات من القرآن، وبأدعية، وبأسماء الله وأوصافه: فإن هذا فيه خلاف بين العلماء، منهم من أباح ذلك وأجازه، ومنهم من منعه، وسيأتي ذلك.
وسبق أن قلنا: إن التميمة سميت تميمة من باب التفاؤل، حتى يتم لصاحب المقصد مقصده، وهذا من عادة العرب في التسمية، والرسول صلى الله عليه وسلم -كما سبق- دعا على الذي يعلق تميمة بأن الله لا يتم له مراده، سواء كان ما قاله النبي دعاء أو خبراً -كما سبق.
وسيأتي: أن الرقية جائزة في أمور نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل: العين والحمى، وتجوز في غيرهما أيضاً، ولكن بشروط ثلاثة: الشرط الأول: أن تكون بأسماء الله وصفاته.
الشرط الثاني: أن تكون بكلام مفهوم معروف.
الشرط الثالث: ألا يعتقد أنها تؤثر بنفسها، وإنما المؤثر هو الله جل وعلا، فيكون ذلك من الأسباب المشروعة.
وأما التميمة: فقد تكون مكتوبة أو غير مكتوبة كأن تكون من خرز وودع ومما يعتقد بأن فيه نفعاً كأن يكون من نحاس، أو من فضة، أو من صفر، وقد تكون من حبال، والناس يختلفون في هذا كثيراً، حتى إن بعضهم يعلق نعلاً! ويزعم أن هذا النعل إذا علقه في السيارة أو في البيت أو في الدكان، أو المصنع أو غير ذلك؛ فإنه يمنع من عين الحاسد، وبعض الناس يعتقد أنه يمنع وصول الجن، وهي عقائد جاهلية موروثة عن الجاهلية.
وبعضهم يجعل ذلك لأمور معينة يعني: أمراضاً معينة، حتى لا يصيبه هذا المرض المعين، وهذه أيضاً وراثة عن الجاهلية، وقد سبق أنه كان في الجاهلية ناس يعلقون حبالاً بأعضادهم وأيديهم، ويقولون: إنها تمنع من الواهنة، وبعضهم يجعل ذلك حلقاً من الصفر ويقول: إنها تمنع من الواهنة، والواهنة شيء يشبه الروماتيزم، قد يصيب الإنسان في كتفه، وبعضهم يقول: هي ما يسمى بعرق النسا، ولكن ليس ذلك، والإنسان قد يتوهم أمراضاً وهمية، ويكون الوهم أشد مرضاً من المرض العادي الحقيقي، ثم إذا تعلق بشيء من ذلك، ووجد الشفاء توهم أنه بسبب ذلك، فيتعلق بهذا الأمر، وقد يأتي الشيطان ويفتن كثيراً من الناس كما سيأتي، فإنه قد يمسك عضواً من أعضاء الإنسان أو يؤلمه بشيء مما يستطيعه، فإذا تعلق بشيء أو علق شيئاً زال عنه ما يجده، ومن ثم استمر في هذا الشيء المعلق، فيصبح قد تعلق بغير الله، فيقع في الشرك؛ لأن الشيطان حريص جداً على إغواء الإنسان.
والله جل وعلا يخبرنا أنه من يتوكل على الله فإنه يكفيه جل وعلا، ومن يتوكل على الله فهو حسبه وكافيه، ولا يضره شيء، ولكن الذي يتعلق قلبه بغير الله، يوكل إلى ذلك الشيء الذي تعلق عليه ويضره، ويتسلط عليه الشيطان، وتتسلط عليه العوارض الأخرى؛ جزاءً لكونه أعرض عن الله جل وعلا.
فأراد المؤلف رحمه الله أن يبين شيئاً من هذه الأمور في هذا الباب؛ لأن هذا قد يقع فيه كثير من العوام ومن الجهلة، ولا سيما النساء، فإنهن يعلقن على الأطفال هذه الأمور، وقد يغترون بمن يدعي شيئاً من المعرفة، فيذهبون إليهم، ويكتبون لهم طلاسم فيها أسماء شياطين، وفيها استعانة بجن، وقد يأمرونهم بأمور شركية، فأراد أن يبين -رحمه الله- أن هذا من الأمور التي قد تنافي التوحيد، وقد تقدح فيه وتنقصه، فيكون ذلك من تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله.