للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسائل باب: طاعة العلماء والأمراء في مخالفة أمر الله]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيه مسائل: الأولى: تفسير آية النور].

وهي قوله جل وعلا: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣]، معنى الآية: أنه تحذير من الله جل وعلا للذين يخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فالتحذير لمن خالف سنته، فيجب على المسلم أن يحذر وأن لا يقع في هذه المخالفة، فإن وقع فإنه على خطر عظيم، ويخشى أن يزيغ قلبه وقد يكون مشركاً بسبب ذلك، وقد يصاب بالعذاب العاجل؛ لأن الله جل وعلا يقول: {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣]، فالعذاب الأليم في الدنيا كما ذكر ذلك المفسرون، وكذلك أشار إليه ابن عباس بقوله: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء).

[الثانية: تفسير آية براءة].

وهي قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً} [التوبة:٣١]، وتفسيرها كما مر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم فسرها وبين معناها في حديث عدي؛ بطاعتهم في معصية الله وطاعتهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، فهذه عبادتهم.

[الثالثة: التنبيه على معنى العبادة التي أنكرها عدي].

العبادة التي أنكرها عدي هي ظنه أن العبادة هي السجود لهم ودعوتهم والتعلق بهم وسؤالهم فقال: ما نعبدهم، فبين له الرسول صلى الله عليه وسلم أن العبادة أعم من ذلك وأنها ليست مقصورة على هذا، بل لو أطعتهم في معصية الله فتلك عبادة لهم.

[الرابعة: تمثيل ابن عباس بـ أبي بكر وعمر وتمثيل أحمد بـ سفيان].

يعني بتمثيل ابن عباس قوله: (إنه يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر) ومقصوده فكيف بالذي يقول: قال الشيخ الفلاني أو قال فلان؟! هل بين هذا الشيخ وبين أبي بكر مقارنة؟! لا مقارنة بينهما، إذاً: فاتباع من دون أبي بكر والتعصب لقوله أعظم وأخطر من قول القائل: نترك متعة الحج؛ لأن أبا بكر يأمر بخلافها، هذا مقصوده.

وكذلك قول سفيان الثوري وسفيان من كبار الأئمة المعروفين بالتقى والورع والعلم ومع ذلك يقع في الخطأ، وإن كنا نعلم أنه لا يتعمد الخطأ ولا يتعمد خلاف الحق لكنه يقع في الخطأ، ولذلك لا يجوز أن يأخذ الإنسان بقوله تاركاً قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن فعل ذلك فهو كما قال الإمام أحمد: يوشك أن يقع في الشرك ويصاب بالعذاب الأليم.

[الخامسة: تغير الأحوال إلى هذه الغاية، حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال وتسمى الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه، ثم تغيرت الحال إلى أن عبد من دون الله من ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين].

قصده بالولاية هنا طاعة العباد، وبعضهم قد يزعم أنه عابد وأنه فقيه، وهو في الواقع ليس كذلك وإنما يدعي الولاية وهو ليس بولي، ومع ذلك يطيعونه في المعاصي، وقد يرونه يرتكب معصية فيقولون: ليس عليه إثم في ذلك؛ لأنه ولي والإثم مرفوع عنه، وهذا في الواقع خطر شديد، وهذا شبيه بفعل اليهود الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.

أما المعنى الثاني فهو عبادة العلماء، بمعنى: أنه تركت الأدلة لأقوالهم وأخذ بأقوالهم ولم يؤخذ بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا واضح في الآية التي ذكرها من سورة براءة، وكذلك الحديث الذي فسرها: حديث عدي وفيه: أن هذا عبادة.

قوله: (ثم تغيرت الأحوال) أي: فعبد بالمعنى الأول من ليس من الأولياء، بل هو من الأشقياء، ويشير بهذا إلى ما وقع في زمنه من أناس معينين معروفين مشعوذين يتلبسون بالنجاسات ولا يصلون، ويفعلون الفواحش الظاهرة ومع ذلك يزعمون أنهم أولياء فيخشى الناس مخالفتهم ويخافونهم، فعبدوهم بهذا.

وأما المعنى الثاني: وهو عبادة الجهلة، فإن كثيراً من المتأخيرن ليسوا كالمتقدمين علماً ولا عملاً، ويقصد بهذا الفقهاء المتأخرين الذين اعتمدوا على الرأي وعلى تحقيق المسائل من غير رجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا جاءت الأدلة من الكتاب والسنة قالوا: لا يلتفت إليها؛ لأننا لا نفهمها ولسنا أهلاً لفهم هذه الأدلة والأخذ بها، ولا يجوز لنا ولا لكم أن تأخذوا ذلك؛ لأن باب الاجتهاد قد انسد وانقطع، فالذي يقول مثل هذا القول ليس من العلماء، بل من الجهلة، ومع ذلك يعتمد على أقوالهم أكثر الناس مع أنها تعرض عليهم الأدلة! هذا مقصوده.