[مسائل باب ما جاء في حماية النبي عليه الصلاة والسلام جناب التوحيد]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفيه مسائل: الأولى: تفسير آية براءة].
سورة براءة المقصود بها قوله جل وعلا: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨] ومقصوده بقوله: تفسير آية كذا: أن يفهم الإنسان معنى الآية؛ لأنه إذا لم يفهم معناها ما فهم مراد الشيخ وكلامه، فينبغي أن يفهم مراد الله ولو على سبيل الإجمال، أما سبيل التفصيل فقد يتطلب جهداً كبيراً، إذ كلام الله جل وعلا لا يشبه كلام البشر، ففيه من الهدى والنور الشيء الذي لا ينتهي.
[المسألة الثانية: إبعاده أمته عن هذا الحمى غاية البعد].
يعني: حمى التوحيد، أبعدهم عن الشرك بعداً كثيراً جداً؛ بأن نهاهم عن الوسائل التي يمكن أن تقربهم إلى ذلك، هذا معناه.
[المسألة الثالثة: ذكر حرصه علينا ورأفته ورحمته].
وقوله: هذا مأخوذ من الآية {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، فحرصه على هدايتنا يجعله يبعدنا كل البعد عن ذلك، ومعنى قوله: (عزيز عليه ما عنتم) أي: أنه يشق عليه الشيء الذي يشق علينا، ومعلوم أن الإنسان بطبيعته وبعقله يبتعد عن الأمور الشاقة، ويحذر منها، فكيف إذا كان أفضل الخلق وأعلم الخلق بالله جل وعلا؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي من المقدرة ومن العلم ومن البيان ما لم يؤت غيره صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك من النصح لأمته، ومن البلاغ الذي أمره الله جل وعلا به، كل هذا يقتضي أنه يقوم بهذا الجانب أتم القيام، فدل ذلك دلالة واضحة على منع الأمة من هذه الأمور.
[المسألة الرابعة: نهيه عن زيارة قبره على وجه مخصوص، مع أن زيارته من أفضل الأعمال].
النهي عن زيارته على وجه مخصوص يعني أن يتخذ عيداً، وهو كثرة الترداد إليه، أو أن يكون في وقت معين يقصده، وقوله: مع أن الزيارة من أفضل الأعمال، هذا سنده فيه ما جاء في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سلم علي عند قبري سمعته)، فاستدل بهذا أن هذا من الفضائل، وقد اعترض على هذا القول بعض العلماء وقال: هذا فيه نظر، ولكن ما دام له سند صحيح لا يجوز أن ينظر فيه، وليس هذا من قول شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب استقلالاً، بل هو أخذ هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه قال هذا اللفظ تماماً، فتبعه في ذلك، ولكن المستند هو ما ذكرت من الحديث.
[المسألة الخامسة: نهيه عن الإكثار من الزيارة].
وهو مفهوم من قوله: (لا تتخذوا قبري عيداً)؛ لأنها إذا كثرت صار عيداً، فدل على النهي من الإكثار منها.
[المسألة السادسة: حثه على النافلة في البيت].
هو مأخوذ من قوله: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) لأن النافلة في البيت أفضل منها في المساجد؛ لعلة أنها أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء.
[المسألة السابعة: أنه متقرر عندهم أنه لا يصلى في المقبرة].
وهذا أيضاً مأخوذ من هذا الحديث في قوله: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) فمعناه: لا تجعلوا بيوتكم شبيهة بالقبور، إذ إنه متقرر عندهم أنها ليست محلاً للعبادة، فهي مهجورة من العبادة، ولا ينبغي أن يهجر البيت فيكون شبيهاً بالقبر، فدل على أن هذا أمر متقرر عندهم، فهم يعرفون أن القبور ليست محلاً للتعبد.
[المسألة الثامنة: تعليله ذلك بأن صلاة الرجل وسلامه عليه يبلغه وإن بعد، فلا حاجة إلى ما يتوهمه من أراد القرب].
مثلما جاء صريحاً في قول الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء) يعني: إذا سلم الإنسان أو صلى على الرسول صلى الله عليه وسلم في أي مكان فإنه يبلغه الله جل وعلا إياه.