للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعيين أول مسجد أسس على التقوى]

قوله: ((لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)) المقصود به مسجد قباء، فإنه هو المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فإن الذي خطه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبناه المؤمنون متقين الله جل وعلا، مطيعين له، متبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم.

وقوله: ((فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) جاء في المسند وفي صحيح ابن حبان وغيرهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء: (إن الله قد أحسن الثناء عليكم في قصة مسجدكم، فما هذه الطهارة التي تتطهرون؟ قالوا: ما هو والله يا رسول الله إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، فكانوا يغسلون أدبارهم بعد قضاء الحاجة، فرأيناهم ففعلنا مثل فعلهم، فقال: هو ذاك فعليكموه) يعني: الزموا هذا.

وأما ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: (أن رجلين تماريا في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فسألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو مسجدي هذا؟) فالمعنى أنه من باب الأولى، أي: فإذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يكون كذلك وأحرى.

فلا ينافي ما ذكر من أن القصة في مسجد قباء؛ لأن المضارة بمسجد ضرار كانت بجواره، فالسياق وسبب النزول واضح في ذلك.

وقوله: ((وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ))، فيه دليل على إثبات محبة الله جل وعلا، وأنه يحب المتنزه من النجاسات الحسية، كما أنه يحب المتنزه من أرجاس الذنوب؛ لأن الذنوب نجاسات معنوية، والنجاسات المعنوية أعظم ضرراً من النجاسة الحسية.

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية: فيه دليل على استحباب الصلاة مع الصالحين وأهل الطهارة والنظافة؛ لأن الله جل وعلا أثنى على هؤلاء، ومن أثنى الله جل وعلا عليهم فإنه يكون محباً لهم جل وعلا.

والدليل الذي استدل به المؤلف على هذا كما قلنا: من باب القياس، وهو واضح.