قال الشارح: [وقوله: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء:٥٧] لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء، فكل داع دعا دعاء عبادة أو استغاثة لابد له من ذلك، فإما أن يكون خائفاً، وإما أن يكون راجياً، وإما أن يجتمع فيه الوصفان.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في هذه الآية الكريمة لما ذكر أقوال المفسرين: وهذه الأقوال كلها حق؛ فإن الآية تعم من كان معبوده عابداً لله، سواءٌ أكان من الملائكة أم من الجن أم من البشر، والسلف في تفسيرهم يذكرون تفسير جنس المراد بالآية على نوع التمثيل، كما يقول الترجمان لمن سأله: ما معنى الخبز؟ فيريه رغيفا فيقول: هذا.
فالإشارة إلى نوعه لا إلى عينه، وليس مرادهم من بذلك تخصيص نوع دون نوع مع شمول الآية.
فالآية خطاب لكل من دعا من دون الله مدعواً وذلك المدعو يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو رحمته ويخاف عذابه، فكل من دعا ميتاً أو غائباً من الأولياء والصالحين، سواءٌ أكان بلفظ الاستغاثة أم غيرها فقد تناولته هذه الآية الكريمة كما تتناول من دعا الملائكة والجن، فقد نهى الله تعالى عن دعائهم، وبين أنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ولا تحويله، ولا يرفعونه بالكلية ولا يحولونه من موضع إلى موضع كتغيير صفته أو قدره، ولهذا قال:((ولا تحويلاً)) فذكر نكرة تعم أنواع التحويل.
فكل من دعا ميتاً أو غائباً من الأنبياء والصالحين أو دعا الملائكة فقد دعا من لا يغيثه ولا يملك كشف الضر عنه ولا تحويله].
يعني: من دعا حاضراً في شيء لا يقدر عليه.
فلا يلزم أن يكون ميتاً، أما دعوة الميت والغائب فهي شرك مطلقاً، لأنه في دعوته هذه لا يسمع وليس قادراً على ذلك، أما إذا كان حاضراً فيشترط أن يكون دعاؤه فيما يستطيع أن يجيبه، أما إن كان في الشيء الذي لا يجيبه، مثل أن يدعوه أن يشفي مريضه أو يصلح قلبه أو أن يهب له مولوداً أو ما أشبه ذلك فهذا شرك أكبر بالله جل وعلا؛ لأنه من خصائص الله جل وعلا، وكل من جعل شيئاً مما هو لله جل وعلا للمخلوق فقد وقع في الشرك الأكبر.
قال الشارح:[وفي هذه الآية رد على من يدعو صالحاً ويقول: أنا لا أشرك بالله شيئاً، الشرك عبادة الأصنام!] الذي يدعو صالحاً سواءٌ أكان حياً أم ميتاً، ويقول: دعائي ليس شركاً وإنما هذا توسل به فالواقع أن هذا هو الشرك، وإن غير الاسم فهو لا يجدي شيئاً.