[الإيمان بصفات الله فرض فيجب تعليم الناس ما تيسر من ذلك]
جاء في رواية في الصحيح: أنه جلَّ وعلا يقول: (لا أسأل عن عبادي غيري، هل من تائب فيُتاب عليه؟ هل من طالب فيُعطى؟ هل من مستغفر فيُغفر له؟) وهذا من كرمه جلَّ وعلا وجوده، وإلَّا فهو ليس بحاجة إلى أحد من الخلق، هو الغني بذاته عن جميع خلقه.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب في المجامع مبيناً صفات ربه جلَّ وعلا؛ لأن الإيمان بها فرض، فهو يعلم الناس ويخبرهم بذلك، حتى ولو كان في الجمع أعرابي، والأعراب عندهم جرأة بالأسئلة التي لا يستطيع الصحابة أن يسألوا عنها؛ ولهذا يقول عبد الله بن عمر:(إني لأفرح أن يأتي الأعرابي العاقل فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع)، وفي رواية:(كان يعجبنا أن يأتي الأعرابي العاقل فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع)، فيستفيدون من هذا، ومرة كان يتكلم صلوات الله وسلامه عليه وعنده أعرابي، ولعلهم شكوا إليه تأخر المطر، فقال لهم:(إن الله جلَّ وعلا ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك، يعلم أن فرجكم قريب، فقال له الأعرابي: يا رسول الله! أوَيضحك ربنا؟! قال: نعم.
فقال: إذاً: لا نُعدم خيراً من ربنا إذا ضحك، فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك) وهذا دليل على أنهم كان إذا سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً يأخذوه على ظاهره، وأن الظاهر هو المراد، والمعطلة ما يقبلون هذه الأشياء، ويقولون: هذا لا يجوز، لا يجوز أن نصف الله جلَّ وعلا بالضحك؛ لأن الضحك كذا، ولأنه كذا، ولأنه كذا، ويأتون بأمور من خصائص المخلوقين، ويجعلونه المانع من وصف الله جلَّ وعلا بهذه الأمور، ومعنى ذلك أن التشبيه أولاً ارتسم في نفوسهم وإن لم يتكلموا به، يعني: أنهم ما عرفوا من أوصاف الله جلَّ وعلا إلَّا ما عرفوه من أنفسهم، فصاروا ينفون هذا الذي استقر في نفوسهم، والله جلَّ وعلا ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في وصفه ولا في أفعاله، بل ولا في حقه الذي أوجبه على خلقه، فيجب ألَّا يساوَى بأحد من خلقه تعالى وتقدس.
هذا؛ وعلو الله جلَّ وعلا ثابت، والأدلة عليه كثيرة، وهي أنواع وليست أفراداً فقط، وليس المسلم بحاجة إلى أن يستدل على ذلك؛ لأنه فُطر على هذا، ولأنه يؤمن بكتاب الله وبأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يحتاج الاستدلال على ذلك لمَن تغيرت فطرته بالكلام الباطل الذي يزيده شكاً وحيرة.
هذا؛ والله جلَّ وعلا يتكلم، وكلامه أزلي، والأزل هو: القِدم الذي لا مبدأ له ولا أول له، يعني: الشيء الماضي الذي لم يكن له مبتدأ، هذا معنى الأزل، والله جلَّ وعلا أول بلا بداية، فليس لله بداية، كما أنه جلَّ وعلا آخر بلا نهاية، وهو جلَّ وعلا أول بصفاته، كان قبل خلق هذا الخلق المشاهَد لنا من السماوات والأرض ومن فيهن، ولا يجوز أن يُعطل عن كونه لا يتكلم ولا يسمع ولا يرى، بل هو جلَّ وعلا أزلي بجميع صفاته تعالى وتقدس، يعني: أنه لم يكتسب صفةً جديدة لم تكن له تعالى وتقدس.
ويقال: جنس الكلام: أزلي لا مبدأ له، وأفراده حادثة، مثل تكلمه جلَّ وعلا بالقرآن، فالله تكلم بالقرآن في أوقات معينة، مثل قوله جلَّ وعلا:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}[المجادلة:١].
فـ خولة جاءت إلى النبي حينما ظاهر منها زوجها وهو كبير مسن، وهي كذلك قد كبرت، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه وتقول:(يا رسول الله! كيف أصنع؟ ترك صبية، إن ضممتهم إليَّ جاعوا، وإن تركتهم عنده ضاعوا، كيف أصنع؟! فيقول: ما أراكِ إلَّا قد بنت منه، فقالت: إلى الله أشكو، فأنزل الله جلَّ وعلا هذه الآيات)، تقول عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، والله إني كنت في طائفة من البيت، وإنه يخفى علي بعض كلامها، فأنزل الله جلَّ وعلا:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}[المجادلة:١]، والبيت الذي تريده عائشة رضي الله عنها عبارة عن غرفة واحدة، وهي الغرفة التي فيها قبره صلوات الله وسلامه عليه، وهي غرفة عائشة ما اتسعت إلَّا للقبور الثلاثة؛ قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر فقط، هذا هو البيت، فهي غرفة صغيرة، ومع ذلك تقول: كان يخفى علي بعض كلامها، فأنزل الله جلَّ وعلا:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}[المجادلة:١] وهو فوق عرشه تعالى وتقدس، وهذا شيء معلوم، فإنه لا يخفى على الله جلَّ وعلا شيء، يسمع دبيب النملة على الصفاة في ظلمة الليل.