للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فساد بعض العلماء كفساد أهل الكتاب سواء]

قال الشارح: [قلت: فما أكثر الفريقين! لكن من رحمة الله تعالى ونعمته أن جعل هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، كما في حديث ثوبان الآتي قريباً].

يقول: إن من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، وذلك أن اليهود يعلمون ولكن لا يعملون، يعلمون ويقعون في المعاصي على عمد، وعن علم، وهذا أعظم من الذي يقع في معصية عن جهل، أما النصارى فهم يتعبدون بجهل وضلال؛ ولهذا وصف الله جل وعلا اليهود بأنهم مغضوب عليهم، ووصف النصارى بأنهم أهل ضلال؛ لأنه ليس عندهم علم، وإنما عندهم اجتهاد وعبادة وتقشف، فتجد الراهب منهم في الصوامع، وهذا كان من قبل، أما في الوقت الحاضر فقد تغيرت الأوضاع والأمور، وأصبح الذين في الصوامع أو في البيع أو في الكنائس ساسة وقادة يخططون لأمتهم ولرؤسائهم في الاستيلاء على الضعفاء -ولا سيما إذا كانوا مسلمين- بكل وسيلة كانت، بغض النظر عن كون هذا يسوغ أو لا يسوغ، لا ينظرون إلى ذلك.

وصاروا عباداً للدنيا والمناصب والشهوات، القول فهو يخالف الفعل، وإذا خالف الفعل فلا قيمة له.

وهكذا هذه الأمة! الذي يفسد من العلماء يكون شبيهاً باليهود؛ لأن عنده علم ولكنه ترك العلم على عمد لغرض يريده خاص به أو لغرض آخر ليس خاصاً به، كله سواء، وأما الذي تكون عنده عبادة وتقشف فيفسد ويضل ويترك السنة فإنه يكون مشابهاً للنصارى؛ لأن هذا عنده اجتهاد لكنه في ضلال، وهذا من الذين يقول الله جل وعلا فيهم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:٢ - ٧] لأنهم يتعبدون بضلال، وإن كان عندهم خشوع ونصب وتعب ولكنهم ضالون؛ لأن من شرط قبول العبادة وصحتها أن تكون على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما أنه من شرطها أيضاً أن تكون خالصة لله جل وعلا، لا يراد بها إلا وجه الله، فإذا اختل شرط من هذين الشرطين فهو ضلال ووبال، ويكون صاحبه معذباً.

والناس في الواقع تبع لهؤلاء، تبع للعلماء والعباد، العباد يقتدى بهم ويرى أنهم على خير، وأنهم أهل زهد وطاعة، فيعظمون من أجل ذلك، والعلماء كذلك يقتدى بهم لأنهم الذين يعرفون الأحكام، فإذا فسدوا فسد الناس تبعاً لهم.

قتل الشارح: [قوله: (قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) هو برفع اليهود خبر مبتدأ محذوف أي: أهم اليهود والنصارى الذين نتبع سننهم؟ ويجوز النصب بفعل محذوف تقديره: تعني قوله: (قال فمن؟) استفهام إنكاري أي: فمن هم غير أولئك؟].