للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيان أن قوله تعالى: (فلما آتاهما صالحاً) ليس المراد به آدم وحواء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: (لما تغشاها آدم حملت، فأتاهما إبليس، فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة، لتطيعونني أو لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه، ولأفعلن ولأفعلن، يخوفهما، سمياه: عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت فأتاهما فقال مثل قوله، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت فأتاهما فذكر لهما، فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث، فذلك قوله: ((جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا)) [الأعراف:١٩٠]) رواه ابن أبي حاتم.

وله بسند صحيح عن قتادة قال: (شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته).

وله بسند صحيح عن مجاهد في قوله: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} [الأعراف:١٨٩] قال: أشفقا ألا يكون إنساناً.

وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما].

هذه القصة كما ذكر أنها رويت عن السلف، ويكون على هذا تفسير الآية: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [الأعراف:١٨٩] يعني: آدم، ومعلوم أن الله جل وعلا خلق آدم من التراب كما ذكر لنا ربنا جل وعلا، وهذا جاء كثيراً في القرآن، وهو أمر مقطوع به، ومما يعجب له الإنسان وهو من أعجب العجب: كون الكثير من أبناء المسلمين يتركون ما ذكره الله جل وعلا مع ظهوره ووضوحه، ويأخذون بنظرية يهودي خبيث حانق على الإسلام وعلى أهله، ويريد أن يفسده، فيأتي بنظرية من أغرب ما يكون، فيقول: إن الإنسان أصله قرد، ثم إنه تطور؛ لأن الخلق يتطور شيئاً فشيئاً إلى آخره! فهذا كفر من الإنسان الذي يعرف هذه الأشياء ويعلمها ثم يقول ذلك، وهذا كفر بالله جل وعلا.

فالمقصود أن قوله: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا) يعني: جامعها، والضمير يعود إلى آدم وحواء، (حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا) يعني: أنها حملت بالولد فأصبحت لا تحس به لخفته، (فَمَرَّتْ بِه) يعني: استمرت به ومشت به ومضت وقتاً، (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) يعني: كبر ابنها في بطنها وصار له ثقل: (دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا) يعني: آدم وحواء، (لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا) يعني: رجلاً سوياً على صورتهما، (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) * (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء) يعني: أنهما سمياه عبد الحارث، وهذا تفسير باطل، ولا يجوز أن يعتقد، ولا يجوز أن يكون هو معنى كلام الله جل وعلا، وإن روي بهذه الأسانيد وقيل: إنه صحيح.

ولهذا يقول ابن حزم رحمه الله في كتابه (الفتن): هذه خرافة موضوعة وضعها بعض الزنادقة من أهل الكتاب عن المسلمين، وهذا أمره واضح، وذلك أن آدم عليه السلام نبي كريم، وقد وقع فيما وقع فيه من الخطأ والمعصية التي واقعها في الجنة قبل هذه الحادثة على تقدير ذلك لما وقعت من آدم، والله جل وعلا أخبر أنه نسي العهد الذي عهد إليه في الشجرة، وجاءه الشيطان وصار يقسم له بالله: إنه له ناصح، وما كان يعتقد أن أحداً يقسم بالله وهو كاذب، ولهذا لما تبين له الخطر رجع إلى ربه وتاب وأناب، وهو أمر قدره الله عليه جل وعلا ولابد من مضيه فتاب من فعله، ثم أهبط فكيف يأتيه الشيطان مرة أخرى وهو في الأرض؟! ثم مع ذلك يقول له: (أنا صاحبكما الذي أخرجتكما)، هل هذا يعقل؟! لو قال هذا لكان آدم رجمه، وهذا لا يدعو إلى أنهم يطيعونه، وليس الولد داع إلى أن يشرك بالله جل وعلا أبداً، وآدم رسول لا يمكن أن يطيع الشيطان ويعمل ذلك.

فالمقصود: أن هذا باطل، ولا يجوز أن يكون معنى كلام الله جل وعلا، وإنما معناه الصحيح: أن هذا جنس الرجل والمرأة من بني آدم، ومعلوم أن المولود يولد من ذكر وأنثى، فهو من جنس الناس الذين يشركون، وأما هذا المخلوق الذي هو الرجل والمرأة مع العقل الذي أوتي إياه من الله جل وعلا، وأن الله عهد إليهم بأن يعبدوه، ومنّ عليهم بأن خلق لهم زوجاً وقد خلقهم من نفس واحدة، كلهم خلقوا من نفس واحدة، وهذا له نظائر في القرآن: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة:١٢٨] {اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:١]، فهو يذكر ما منّ به على الزوج والزوجة، حيث إنه جعل من رحمته الرحمة بينهما والألفة بالزواج، ثم منّ عليهم بالأولاد، ثم هذه النعمة التي يعطيها الله جل وعلا إياهما يشركون بها، وهذا لا يجوز أن يقع من نبي وإنما يقع من بعض المشركين والجهلة، فالمقصود به جنس الزوج والزوجة، أي: الجنس غير المعين، الذي وقع منهم ما وقع فلما حصل لهم ذلك وتغشى الزوج زوجته فحملت فأثقلت، دعوا الله -الزوج والزوجة-: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء} [الأعراف:١٨٩ - ١٩٠].

شركاء في أي شيء؟ شركاء بأن عبّدوه لغير الله، وعلموه أن يعبد اللات والعزى، أو يعبد الحجر والشجر، أو يعبد غير ذلك، مع اعترافهم بأنه هبة من الله، وأنه لا دخل لهذه المعبودات التي يعبدونها في تكوينه وخلقه وإيجاده.

هذا هو الصواب في معنى الآية الذي ينبغي أن يكون عليه.

أما هذه الرواية التي رويت عن السلف فيظهر أنها مأخوذة من أهل الكتاب، وما جانا عن أهل الكتاب وهو مخالف لما عندنا مما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن نصدقه، ولا أن نقبله، فضلاً عن أن يكون هو معنى كلام ربنا جل وعلا.

أما أن يقال: كيف يقوله قتادة ومجاهد بل وروي عن ابن عباس ويكون باطلاً؟ هل يعقل هذا؟! فنقول: ولهذا قال طائفة من العلماء: هذا هو الصواب؛ لأنه روي عن هؤلاء السلف وهم الذين قالوا به، ولكن نقول: إذا كان هذا ثابت عن أهل الكتاب فإن الراوي يخرج من العهدة إذا ذكر ذلك، وليس ذلك تعييناً؛ والخطأ يجوز على كل إنسان ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأنبياء بعد النبوة معصومون من الوقوع في الشرك، وهذا شرك، وباتفاق العلماء: أن الأنبياء معصومون من الوقوع في الشرك، وآدم منهم، فلا يجوز أن يقع ذلك منه.

وأيضاً: إن الشيطان طلب منهم أن يسموه عبد الحارث، وهذا يحتاج إلى دليل، وهل اسم الشيطان (الحارث)؟ وإذا كان معروفاً فهل يعقل أن آدم يعرف أنه الحارث ويأمره الشيطان بأن يسمي ابنه عبداً له فيطيعه؟! هذا لا يجوز أن يعتقده مسلم، فيجب أن يقدر آدم عليه السلام؛ لأنه نبي ينزه عن مثل هذا، وإنما هذا يقع لبعض المشركين الجهلة من بني آدم وهذا يحتاج إلى دليل لكون الشيطان هو الحارث وأن اسمه الحارث، وأنه كان من العبّاد وكان يسمى بذلك، والدليل على أنه لم يثبت: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أصدق الأسماء حارث وهمام)؛ لأن الحارث هو العامل، والهمام هو الذي يهم، وأفضل الأسماء ما عبّد أو حمّد، وأصدقها حارث وهمام.

فهل يمكن أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدقها حارث وهو اسم الشيطان؟ لا يمكن، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء التي فيها مخالفة شرعية ولو كانت لجماد وحيوانات.