للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طاعة الله ورسوله إصلاح في الأرض ومعصيتهما فساد]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [قال أبو بكر بن عياش في الآية: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض وهم في فساد، فأصلحهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم، فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو من المفسدين في الأرض.

وقال ابن القيم رحمه الله: قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله لها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله.

فإن عبادة غير الله، والدعوة إلى غيره، والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره، فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والإتباع لرسوله ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة.

ومن تدبر أحوال العالم وجد أن كل صلاح في الأرض سببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله والدعوة إلى غير الله ورسوله.

اهـ.

ووجه مطابقة هذه الآية للترجمة أن التحاكم إلى غير الله ورسوله من أعظم ما يفسد الأرض من المعاصي، فلا صلاح لها إلا بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو سبيل المؤمنين، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥]].

معنى قوله: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى) يعني: نوكله إلى العمل الذي يعمله والشيء الذي يستند إليه، فإذا كانت المعصية فإنه يتمادى فيها حتى الموت؛ لأنه من جزاء المعصية: المعصية وبعدها، ومن جزاء الحسنة الحسنة وبعدها، وهذا في الغالب، وقد يتوب الله جل وعلا على من يشاء، فتوليته ما تولى إذا كان تولى هواه أو تولى شهواته، أو تولى مخلوقاً يطيعه في معصية الله فإنه يوكل إليه ويتخلى الله جل وعلا عنه.

ومن وكل إلى مخلوق أو إلى نفسه فإنه يكون ضائعاً وهالكاً، وقوله: (ونصليه جهنم) هذا في الآخرة، فيولى ما تولى في الدنيا في حياته، ثم بعد موته يصلى جهنم، وهذا من أعظم الوعيد، نسأل الله العافية.