للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب الشرك الذي وقع فيه المشركون]

الشرك الذي وقع فيه جميع المشركين هو من باب الشفاعة فقط، ادعوا أنهم يشفعون لهم، فقال الله جل وعلا: {أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ} [الزمر:٤٣] (أم) إذا جاءت في القرآن فالمفسرون يقولون: معناها: بلِ اتخذوا: {أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ} [الزمر:٤٣]، كثيرٌ منهم لا يعقل؛ لأنه إما ميت وإما جماد كشجر أو حجر أو غير ذلك، فهو لا يعقل كلامك وما تقصده منه، لأنه لا يسمع، وقد تكون قريباً منه ولكنه لا يعقل؛ لأنه جماد.

ثم قال جل وعلا: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [الزمر:٤٤] الشفاعة لله فاطلبها منه فقل: اللهم! شفع فيَّ نبيك، اللهم! إني أسألك أن تشفع فيَّ نبيك، فهذا هو الطريق لها، أما إذا ذهبت تطلبها من المخلوق فهذا سبب في منعك إياها؛ لأن الله جل وعلا يقول: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]، ومعلوم أن الشفعاء الذين ذكرهم الله جل وعلا لا يشفعون إلا لمن يرضى الله جل وعلا عنه، والله لا يرضى إلا بالتوحيد والإخلاص له، أما إذا كان مشركاً فالشرك سبب منع الشفاعة، فيأتيه المنع والحرمان من حيث ظن أنه يحصل له النفع والشفاعة، فانعكست عليه القضية تماماً، وهكذا المخالفون لأمر الله جل وعلا تنعكس عليهم يوم القيامة، وإذا مات الإنسان انتهت القضية، وختم على عمله، وأصبح لا ينفعه شيء ولو ندم أو تحسر.

قال الشارح رحمه الله: [قال: وفي الآية دليل على أن أصل الدين الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم والمرسلين قبله هو إفراده تعالى بأنواع العبادة، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].

والمخالف لهذا الأصل من هذه الأمة أقسام: إما طاغوت ينازع الله في ربوبيته وإلهيته، ويدعو الناس إلى عبادته، أو طاغوت يدعو الناس إلى عبادة الأوثان، أو مشرك يدعو غير الله ويتقرب إليه بأنواع العبادة أو بعضها، أو شاك في التوحيد، أو جاهل يعتقد أن الشرك دين يقرب إلى الله، وهذا هو الغالب على أكثر العوام؛ لجهلهم وتقليدهم من قبلهم، لما اشتدت غربة الدين ونسي العلم بدين المرسلين.