للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة التشاؤم بصفر ومعناه]

قال الشارح رحمه الله: [قوله: (ولا هامة) بتخفيف الميم على الصحيح، قال الفراء: الهامة: طير من طيور الليل، كأنه يعني البومة.

قال ابن الأعرابي: كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول: نعت إلي نفسي أو أحداً من أهل داري، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله.

قوله: (ولا صفر) بفتح الفاء، روى أبو عبيدة في غريب الحديث عن رؤبة أنه قال: هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس، وهي أعدى من الجرب عند العرب، وعلى هذا: فالمراد بنفيه ما كانوا يعتقدونه من العدوى، وممن قال بهذا سفيان بن عيينة والإمام أحمد والبخاري وابن جرير.

وقال آخرون: المراد به شهر صفر، والنفي لما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء، وكانوا يحلون المحرم ويحرمون صفر مكانه، وهو قول مالك.

وروى أبو داود عن محمد بن راشد عن من سمعه يقول: إن أهل الجاهلية يتشاءمون بصفر، ويقولون: إنه شهر مشئوم، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك].

وهذا معنى ثالث من معاني قوله (ولا صفر)، أي: أنهم كانوا يتشاءمون فيه، فلا يسافرون فيه، ولا يتزوجون فيه، ولا يبنون فيه، فأبطل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك.

ومعلوم أن التشاؤم بالشهور أو بالأيام من فعل الجاهلية، فالشهور والأيام خلقها الله جل وعلا مطيعة وتقع فيها الحوادث التي تكون من الخلق كالطاعات والمعاصي، وإلا فهي ليس لها تصرف في شيء ولا لها إسعاد أو إنحاس، وكثير من الناس ما زال على ما كانت عليه الجاهلية، فتجد بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء، وبعضهم يتشاءم ببعض الشهور، ويتزوج في ليلة معينة؛ لأنه يرى أنها خير من غيرها، وهذا كله من العقائد الفاسدة، فالإنسان ليس له إلا ما قدر له، ولا يجزى إلا بعمله الذي عمله، فإن عمل الخير فله الخير في وإلا أي وقت كان، وفي أي يوم كان، وفي أي شهر كان، فلا شهر يكون فيه خير من شهر إلا بالأعمال التي تقع فيها، ما وقع من تفضيل الله لبعض الشهور والأيام على بعض فيكون العمل في تلك الشهور أو الأيام أفضل من العمل في غيرها: كرمضان مثلاً وأيام الحج وليلة القدر قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:٣] يعني: العمل فيها أفضل من عمل ألف شهر، فهذا إلى الله، أما أن يقول الإنسان: إن هذا الشهر إذا عملت فيه كذا وفقت، أو هذا اليوم إذا فعلت فيه كذا وفقت، واليوم الآخر لو عملت فيه عملاً فلن يأتي التوفيق، فهذا تخييل من الشيطان، وإيهام منه، وهو من فعل الجاهلية.

قال الشارح رحمه الله: [قال ابن رجب: ولعل هذا القول أشبه الأقوال، والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنها، وكذلك التشاؤم بيوم من الأيام كيوم الأربعاء، وتشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح فيه خاصة.

قوله: (ولا نوء) النوء: واحد الأنواء، وسيأتي الكلام عليه في بابه إن شاء الله تعالى].