للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القسم الأول: الخوف مما يعبد من دون الله]

هذا الخوف الذي يسمى: خوف غيبي، يخافه أي: يخاف شيئاً وهو غائباً عنه، لا يشاهده وليس حاضراً عنده، ولكن يخاف أن يصيبه بمصيبة مستقبلة، أو بألم في بدنه، أو بمصائب في ماله أو أهله، أو ما يستقبله من حياته.

وهذا يسمى خوف السر، ومعنى خوف السر: أنه يخافه لسر فيه، وأنه يأتي عقابه سراً، لا يأتي بجيوش ولا بدبابات ولا مدافع، يأتيه ويصيبه ولو كان في عقر بيته.

وهذا الخوف لا يجوز أن يكون إلا من الله وحده، وهو الذي ذكر الله جل وعلا أنه يقع من المشركين، ويقع من المشركين سابقاً ولاحقاً، فسواء زعموا أنها كرامة يعطيها الله جل وعلا بعض أوليائه، فيؤثر في قلب من يبغضه أو يخالفه، أو في بدنه أو ماله أو أهله، أو يصيبه بخبل أو ما أشبه ذلك، أو أن ذلك من باب الشفاعة: أن الوليّ يطلبه من ربه ويشفع فيه، ثم يصيبه به جل وعلا؛ لأنه خالف هذا الولي.

فهذا من الشرك الأكبر الذي إذا مات عليه الإنسان يكون خالداً في النار، وهذا الذي أراد المؤلف أن يبين أنه لا يجوز أن يكون إلا لله جل وعلا.

وقد ذكر الله جل وعلا في كتابه عن أوليائه المرسلين أن المشركين خوفوهم بآلهتهم، كما قال جل وعلا في قصة إبراهيم: {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام:٨٠]، وهذا يدل على أنهم خوفوه بشركائهم، ثم قال: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام:٨١]، ثم قال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢]، أي: الذين آمنوا وأخلصوا إيمانهم وخوفهم لله جل وعلا، فلم يداخل إيمانهم وخوفهم ظلم - يعني: شرك - هم الحقيقون بالأمن والاهتداء.

وكذلك قال جل وعلا في قصة هود عليه السلام عندما قالوا له: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود:٥٤]، يقولون له: إن ما أصابك هو بسبب بعض آلهتنا، فأصبحت تقول ما تقول، وتنهانا عما تنهانا عنه، فقال جواباً لهم: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:٥٤ - ٥٦]، فتحداهم، وقال: اجتمعوا أنتم ومعبوداتكم، ثم كيدوني بما تستطيعون، ولا تتأخروا وعجلوا ذلك، فلن تستطيعوا؛ لأن وليي الله، وهكذا قالوا لنوح عليه السلام بل وسائر الأنبياء، وقالوا لخاتم الرسل صلى الله عليه وسلم ذلك أيضاً، فقال جل وعلا: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:٣٦]، يعني: بما يشركون من أصنامهم، وهكذا المشركون اليوم، إذا نهيت الذين يعبدون الأولياء والأضرحة، قالوا لك: أما تخاف من الولي؟ فإذا نهيت عن الشرك أو أمرت بالتوحيد وبإخلاص الدعوة لله، والتوجه إليه، يخوفونك به وقالوا لك: يمكن أن يصيبك الولي بالعذاب؛ لأنك خالفته، وأنت تبغضه ولا تحبه، فطريقة المشركين طريقة واحدة، سواء في أول الزمان أم في آخره، فبعضهم يتابع بعض، فالله جل وعلا ذكر أن كل أمة كانت تخوف نبيها بمن يعبدونهم مع الله جل وعلا، ولهذا وجب أن يكون الخوف لله وحده، هذا قسم.