للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم إنكار الصفات]

والصفات كثيرة جداً، وإنكارها ضلال وجهل.

ومن الجهل الوقوف على ظاهر النصوص بدون تأمل للمعنى، كما وقع لـ ابن حزم رحمه الله فأنكر أن يكون لله جل وعلا صفات وقال: هذا كله من كلام المتكلمين الذي لا يدل إلا على الانحراف والشك والباطل.

وقال: جاء في بعض النصوص كما ثبت في الصحيح من حديث الرجل الذي كان يؤم أصحابه فيقرأ سورة ثم يختم بـ (قل هو الله أحد) ويردد ذلك، فلما سألوه؟ قال: إنها صفة الله وأحبها، فلما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قال: (حبك إياها أدخلك الجنة)، قال: هذا يثبته وما عدا ذلك فلا؛ فيقال له: هل الرحمن يدل على معنى أو لا يدل على معنى؟ لابد من أنه يدل على معنى.

فما هو المعنى الذي يدل عليه؟ الرحمة، وكذلك العليم يدل على العلم، والحليم يدل على الحلم، والكريم يدل على الكرم وهكذا، فيقال: هذه المعاني التي دلت عليها هذه الأسماء هي الصفات، وهي التي يسأل الله جل وعلا ويدعى بها كالأسماء تماماً لا فرق، ثم إن معنى كونها مشتقة: أنها أخذت من هذه المعاني وأنها دلت على معانٍ عظيمة، والعلماء قسموها إلى قسمين: متعدٍ ولازم، والأفعال في لغة العرب إما أن تكون متعدية أو تكون لازمة فمثلاً: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] فهذا يسمى لازماً؛ لأنه يدل على الاستواء على العرش فقط، ومثل هذا يجب أن يؤمن به وبالصفة التي دل عليها وهي الاستواء.

وأما قوله جل وعلا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:١].

فهنا (خلق) اسم فعل يدل على الفاعل، فالخلق فعله الذي هو صفة، وله أثر.

يعني: له شيء يتعدى إليه وهو المخلوق.

(السموات والأرض) أثر الخلق، فهو تعدى بهذا المعنى، فلابد من أمور ثلاثة فيها: إثبات الاسم، والصفة، والأثر.

إذاً: يكون معنى التعدي واللزوم في هذا هو التعدي واللزوم اللغوي.

يعني: إذا قلت -مثلاً- قام زيد، فهذا يسمى لازم، كذلك (جلس)، ولكن إذا قلت: ضرب وأكل وشرب فإن هذا يكون متعدياً، ولابد له من أثر، والأثر هو أثر الضرب، وأثر الأكل، وأثر الشرب، وهذا التقسيم من ناحية المعاني التي يدل عليها الكلام.

وقوله جل وعلا: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:١٨٠].

يعني: اتركوا، وهذا جاء من باب الوعيد والتهديد، ويدل على توعد الملحدين وتهديدهم، وأنه على المخاطب أن يعرض عنهم، ومعنى الإعراض عنهم: عدم مجادلتهم وعدم الاهتمام بأمرهم، أما دعوتهم والبيان لهم فإنه إذا أمكن فلابد من ذلك؛ لأن الله جل وعلا يقول: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:٩]، والدعوة إليه كما سبق لابد منها، ولكن إذا علم أن الإنسان لا يجدي ذلك معه فيعرض عنه، خصوصاً الملحد، فالغالب في الملحد أنه يكون عارفاً، ولكن لا يريده، بل يريد غيره ولهذا أمر بالإعراض عنه.