للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد إخباره صلى الله عليه وسلم بخلة الله له]

والخلة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم فيها فوائد: الفائدة الأولى: جواز إخبار الإنسان عما لديه من الفضل والرفعة إذا كان ذلك لا يعلم إلا من جهته، وكان فيه مصلحة، مع أننا لا نقيس غير الرسول صلى الله عليه وسلم بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا يفهم من ذلك؛ لأنه قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً).

الثانية: براءته صلوات الله وسلامه عليه أن يكون أحد من الخلق خليلاً له، فإنه قال: (إني أبرأ إلى الله أن يكون أحد منكم خليلاً لي، فإن الله اتخذني خليلاً) والبراءة معناها: الخلاص من الشيء نهائياً؛ لئلا يكون داخلاً فيه أو عنده منه شيء، فهو يتخلص من ذلك ويبتعد عنه، هذا معنى البراءة.

الأمر الثالث: فضل أبي بكر الصديق، وأنه أفضل الصحابة على الإطلاق، حيث قال: (ولو كنت متخذاً -من الناس خليلاً - منكم خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) ولكن الذي منع هذا هو كون الرب جل وعلا اتخذه خليل.

الأمر الرابع: وفيه الإشارة إلى خلافة أبي بكر الصديق وهذا أمر واضح؛ لأن الفضل فيه ظاهر، ومن كان أفضل.

وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرب، فهو الذي ينبغي أن يكون خليفة له، والخلافة ليست هي الملك، الخلافة خلافة النبوة، فالخليفة هو الذي يخلف من خلفه لتنفيذ أوامره، وإبلاغ ما كان يبلغه فقط؛ ولهذا خرج أبو بكر من الدنيا أفقر مما دخل في الخلافة بكثير، فما كان عنده شيء لما مات، كان عنده إداوة وقدح فبعث بهما إلى عمر، فلما رآهما عمر بكى وقال: لقد كلفني الأمور الصعبة؛ ولهذا كان عمر رضي الله عنه يخطب الناس وفي درعه ما يقرب من ثلاثين رقعة، ولا يستعمل الأموال تأتيه، بل كان يقدم لنفسه ولأهله الطعام الناشف من شعير وما أشبه ذلك، ويجعل الأطعمة الطيبة للمسلمين.

خرج يوماً من الأيام يعس في الليل حول المدينة بنفسه، فوجد خباءً فيه صبيان يتضاغون، وعندهم رجل يسكتهم ويقول: إن أمير المؤمنين مسئول عنكم؛ لأنه ليس لكم عشاء، فجاء إليه وقال: ما شأنك؟ قال: جئت من البر فلم أجد من يأويني ولا من يعشيني فقال: من المسئول عنك؟ قال: عمر، قال: وما يدري عمر؟ قال: عجيب! يتولى أمر المسلمين ولا يدري عني؟! فذهب عمر وحمل على ظهره دقيقاً وما يحتاج إليه، فجاء به إلى الرجل، وذهب يبحث عن الحطب، فأوقد القدر، فصار يطبخ وينفخ في النار، ويطير الرماد من جوانب لحيته والرجل لا يعرفه، حتى أنضج الطعام وقدمه للصبية وأكلوا وناموا، ثم بعد ذلك أعطاه ما يحتاج إليه وذهب، ثم عُلم به وقيل له: كيف تصنع هذا ولم تأمر غيرك؟! قال: غيري لا يتحمل وزري وذنبي، ولو عثرت بغلة في العراق في الطريق لخفت أن الله يسألني عن ذلك، لماذا لم تسوِّ لها الطريق؟! إلى هذا الحد كانوا يفعلون؛ لأنهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم، ليسوا ملوكاً.

فإذا كان أبو بكر أفضلهم فهو أولاهم بالخلافة، مع أن هناك أدلة واضحة جلية تدل على خلافته، ولهذا كثير من العلماء يقول: إن خلافته منصوص عليها نصاً، وقد جاء في مسند الإمام أحمد وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ادعي لي أخاك وأباك لأكتب لهما كتاباً؛ لئلا يقول قائل أو يجترئ مجترئ، ثم قال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) فترك الكتابة، وهذا صريح وواضح، فقد قاله في مرض موته صلى الله عليه وسلم.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي جاءت تطلب منه حاجة: (ائتيني يوم كذا قالت: أرأيت إن لم أجدك؟ قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر) إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواضحة.

وفيه أيضاً: أن الخلة غير المحبة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يحب عائشة، ويحب أباها، ويحب معاذ، ويحب عمر، ويحب أناساً كثيرين من صحابته، ولكن بعضهم أحب من بعض، ففي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها، قال: ثم من؟ قال: ثم عمر فسكت) ولو زاد لزاد، وفي سنن الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ معاذ: (يا معاذ! إني أحبك، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يحب الحسن والحسين وأنهما ريحانته من الدنيا، وأخبر أن علي بن أبي طالب يحبه الله ورسوله، والأحاديث في هذا كثيرة، أما الخلة فقد تبرأ أن يكون أحد منهم خليلاً له، فدل على بطلان من يقول: إن المحبة أكمل من الخلة كما ذكر المؤلف.

والحديث يدل -أيضاً- على أمور منها: