[مصارف الزكاة]
[الثالثة عشرة: مصرف الزكاة].
ذلك من قوله: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)، وقد عرفنا أن الله جل وعلا هو الذي تولى صرف الزكاة بنفسه، حيث قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:٦٠]، فذكر أهل الزكاة وهم ثمانية: أولهم الفقراء والمساكين.
وقد اختلف فيهم، فقيل: إن الفقير هو الأكثر حاجة؛ لأن الله جل وعلا يبدأ بما هو أهم، فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}، ثم عطف عليهم المساكين ومن بعدهم.
وقالوا: إن المسكين هو الذي يجد بعض الحاجة أو يجد حاجة سنته فقط، والفقير الذي لا يجد الكفاية، يجد بعضها ولكن لا يجد ما يكفي، والمسكين قد يكون عنده مال، وقد يكون عنده أشياء، ولكن هذه التي عنده لا تكفي، وقد أخبرنا الله جل وعلا في قصة موسى والخضر أنه قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف:٧٩]، أخبر أنهم مساكين ولهم سفينة، فدل هذا على أن المساكين أقل حاجة من الفقراء، هذا إذا جاء ذلك في مثل هذه الأسلوب، أي: عطف واحد على الآخر.
أما إذا ذكر الفقراء وحدهم أو قيل: المساكين، فهم عبارة عن شيء واحد، فالفقراء والمساكين يكونون كلهم داخلين في هذا الخطاب، مثل الإسلام والإيمان، فإذا قيل: (الإسلام) دخل فيه الإيمان، وإذا قيل: (الإيمان) دخل فيه الإسلام.
وأما العاملون فهم السعاة الذين يسعون في جباية الزكاة، إذا لم يكن لهم مرتبات من بيت المال فإنهم يعطون منها بقدر عملهم.
وأما المؤلفة قلوبهم فقد اختلف العلماء فيهم، قيل: هذا كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وانتهى، واليوم لا يجوز أن يعطى أحد من الكفار رؤساء القبائل.
وقد كان رؤساء القوم الذين إذا أسلموا صار لإسلامهم أثر في الإسلام بأن يسلم بإسلامه أناس كثير، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيهم من الصدقة ويكثر لهم، حتى قد يعطي الواحد مائة من الإبل، ويتألفهم، والتألف معناه أن يعطون من الدنيا ترغيباً لهم بأن يدخلوا الإسلام، فإذا دخلوا الإسلام وتمكن من قلوبهم عندها يرغبون فيه ولا يرغبون في الدنيا، ويتركون ما دخلوا الإسلام من أجله، وإذا دخل الإسلام في قلب الإنسان أصبح لا يهتم بزينة الدنيا.
فمن العلماء من يقول: إن الحكم باقٍ.
ومنهم من يقول: انتهى في وقت النبي صلى الله عليه وسلم.
فالذين يقولون: إنه انتهى يقولون: إن الله جل وعلا قد أعز الإسلام، وتبين الحق والهدى، فلسنا بحاجة إلى تأليف الكفار على الإسلام، والصواب أن الحكم باقٍ إذا وجدت الحالة التي تشابه الحالة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو وجد من لو أعطي من الزكاة لكان هذا يرغبه في دخول الإسلام بشرط ألا يكون فرداً، فالفرد الواحد ما يعطى لأجل أنه فرد، وإنما يعطى لأن بإسلامه يسلم غيره، فيكون رئيساً لإسلامه أثر، والرئاسة تختلف، قد يكون مثلاً قدوة لغيره يقتدى به، وإذا أسلم أسلم غيره، أو يكون مطاعاً إذا أمر غيره اتبعه، وما أشبه ذلك، فهؤلاء هم المؤلفة قلوبهم.
وأما الغارمون فالغارم هو الذي يتحمل المال للإصلاح، كأن يجد من يتشاجرون أو يتقاتلون من المسلمين فيصلح بينهم ويتحمل أموالاً في سبيل ذلك، إما لشيء قد أتلفه أحدهم، أو يبذل لهذا حتى يترك ما يتشبث به من أن له حقاً، فمثل هذا لأنه سعى بالإصلاح يعطى من الزكاة؛ لئلا تجحف التحملات أصحاب المعروف الذين يبذلون معروفهم، ومثل هذا يعطى وإن كان غنياً، يعطون من الزكاة ترغيباً لهم في الإصلاح، فهؤلاء هم الغارمون الذين يغرمون، ويدخل في الغارم المدين الذي تدين ديناً, وأصبح لا يتمكن من أداء دينه وإن كان هذا داخلاً في الفقير.
وأما في سبيل الله فهو القتال في سبيل الله، فيشتري به السلاح، أو يُعطَى المقاتلون أو غير ذلك.
وأما ابن السبيل فهو المسافر الذي انقطع به سفره وما تمكن من مواصلة السفر، فانتهت نفقته وانتهى ماله، وإن كان في بلاده غنياً فإنه يعطى الشيء الذي يمكنه من بلوغ غايته.
وأما في الرقاب فهو المملوك الذي يكون مملوكاً، يجوز أن يعتق من الزكاة.
فهذه هي المصارف التي تولى الله جل وعلا توزيعها بنفسه، فلا يجوز أن تصرف الزكاة في غير هؤلاء.
ثم هل يجوز أن تكون الزكاة لنوع واحد من هذه الأنواع؟
الجواب
إنه يجوز أن يكون للفقراء أو للمساكين وإن لم تستوعب سائر الأصناف، وإذا وجد الفقير لا يبحث عن غيره، لكن لا يعطي الفقير إذا كان أصلاً له أو فرعاً له، فإذا كان الفقير أباه أو أمه أو جده أو جدته فإنه لا يجوز أن يعطيهم من زكاته.
وكذلك إذا كان الفقير ابنه أو ابن ابنه لا يعطيهم من زكاته؛ لأن هؤلاء تجب نفقتهم عليه، فما يحتاجون إلى الزكاة لوجوب نفقتهم عليه، ولا يجوز أن الإنسان يجعل الزكاة لأقربائه وقاية لماله عن الحقوق التي تتعلق بماله، فيعطي أقرباءه الأدنين الزكاة حتى لا يتطلعون إلى الحق الذي لهم عليه، فيجب على الإنسان أن يتقي الله في أداء زكاته، ثم إنه يجب عليه أن يخرجها طيبة بها نفسه.
راغباً فيما عند الله، خائفاً لو منعها أن يعاقبه الله جل وعلا.
[المسألة الرابعة عشرة: كشف العالم الشبهة عن المتعلم].
هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب)، وهذا ما كان معاذ رضي الله عنه يعرفه، فقال له هذا القول ليستعد وليعد نفسه، فهيأه لذلك، وكشف له ما كان خافياً عليه.